يُعَدّ الفوسفاط العمود الفقري لاقتصاد المغرب، وثروة يُقدَّم للعالم على أنه “ذهب أبيض” يضمن موقع البلاد ضمن كبار مصدري الأسمدة. غير أنّ المفارقة العميقة تتجلى في أنّ هذه الثروة التي جلبت أزيد من 5200 مليار سنتيم خلال ستة أشهر فقط، لم تمنع المكتب الشريف للفوسفاط من اللجوء إلى الأسواق المالية الدولية للاقتراض. مفارقة صادمة: مؤسسة تتدفق إليها المليارات، لكنها تتحرك بمنطق الديون المستمرة.

كشفت مصادر إعلامية أن المجموعة تبرر هذا السلوك بكونه جزءاً من استراتيجية استثمارية كبرى تشمل مشاريع الطاقات المتجددة، تحلية مياه البحر، وتوسيع صناعة الأسمدة في الداخل والخارج.

لكن السؤال يظل قائماً: إذا كانت العائدات بهذه الضخامة، فلماذا لا تكفي لتغطية الاستثمارات؟ وأي منطق يجعل ثروة وطنية رهينة دفاتر القروض؟

الواقع أن عائدات الفوسفاط لا تدخل مباشرة إلى الخزينة العامة، بل تبقى في حسابات المجموعة التي تتمتع بوضع خاص يتيح لها استقلالية واسعة. ما يصل الدولة لا يتجاوز الضرائب والتحويلات، بينما الجزء الأكبر يُعاد توجيهه نحو مشاريع لا تزال مردوديتها الاجتماعية والاقتصادية غامضة بالنسبة للرأي العام.

وفي الوقت الذي يُثقل المواطن كاهله بالضرائب غير المباشرة وارتفاع الأسعار، ويستمر الدين العمومي في التصاعد، تبدو عائدات الفوسفاط وكأنها رقم يتكرر في التقارير الرسمية أكثر مما هو مورد ملموس في تحسين الخدمات أو تخفيف الأعباء. إنها معادلة “المغرب بسرعتين”: ثروة هائلة تلمع في الخارج، ومجتمع في الداخل يزداد إحساسه بالهشاشة.

الأخطر من ذلك أنّ سؤال المحاسبة ما زال معلّقاً: من يراقب الرجل الذي يقف على رأس أكبر مجموعة استراتيجية في البلاد؟ أين البرلمان الذي يُفترض أن يفتح نقاشاً شفافاً حول هذه الأرقام؟ وأين المجالس العليا التي أُنيط بها دستورياً تتبع تدبير المال العام؟ إنّ غياب هذا النقاش يجعل ملف الفوسفاط أقرب إلى “صندوق أسود” لا يُعرف مصيره إلا في حدود ما يُفصح عنه رسمياً.

قد تبدو القروض، في منطق التدبير المالي، مجرد وسيلة لتأمين السيولة وتنويع مصادر التمويل، لكن في نظر الرأي العام، هي عنوان لتناقض صارخ: ثروة بالمليارات تستمر في قرع أبواب الأسواق المالية.

وهنا يبرز السؤال المؤجل: متى يتحول الفوسفاط من رقم في دفاتر الاستدانة إلى رافعة تنمية حقيقية يشعر بها المواطن في حياته اليومية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version