قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، اليوم الخميس، إن الحصيلة الحكومية “غنية وإيجابية”، مقدماً جرداً مفصلاً لما تعتبره الأغلبية أوراشاً اجتماعية واقتصادية كبرى.

غير أن قراءة دقيقة للمشهد تكشف أن هذا الخطاب أقرب إلى الترويج السياسي منه إلى توصيف حقيقي لما يعيشه المواطن يومياً.

فالحكومة تفتخر بتعميم التأمين الإجباري عن المرض بعد إلغاء نظام “راميد”، معتبرة ذلك إنجازاً تاريخياً. غير أن الواقع يُظهر أن الملفات العالقة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تتزايد، وأن المستشفيات ما زالت تعاني خصاصاً في الأطر والتجهيزات، فيما يواجه المواطن صعوبة في الحصول على خدمات صحية لائقة.

أما الدعم الاجتماعي المباشر للأسر، فمع أنه خطوة جديدة، فإن قيمته المالية تبقى متواضعة أمام غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.

فـ4 ملايين أسرة تستفيد من تحويلات محدودة لا تغطي سوى جزء يسير من تكاليف الحياة اليومية، وهو ما يجعل البرنامج أقرب إلى رسالة سياسية منه إلى سياسة اجتماعية متكاملة.

وفي ما يخص السكن، اعتمدت الحكومة نظام الدعم المباشر بدل الامتيازات السابقة الموجهة للمنعشين العقاريين. ورغم وجاهة الفكرة، فإن غلاء الأرض ومواد البناء يجعل منحة 100 ألف درهم عاجزة عن فتح باب الاستقرار السكني أمام فئات واسعة من الشباب والأسر محدودة الدخل.

أما في قطاعي التعليم والصحة، فتُطرح أرقام ضخمة مثل 49 مليار درهم للحوار الاجتماعي مع نساء ورجال التعليم، وتأهيل 1400 مستشفى ومستوصف.

لكن المعضلة ليست في الأرقام، بل في الجودة والعدالة المجالية. فالاحتجاجات متواصلة في صفوف الأساتذة، والمواطن في المناطق الهامشية لا يلمس أثراً ملموساً لهذه الميزانيات.

وعلى المستوى الاقتصادي، فإن خفض نسبة العجز إلى 3% وتراجع المديونية أهداف محمودة، لكنها تحققت أساساً عبر رفع الضرائب غير المباشرة والاقتراض، ما يجعل الحكومة تبدو أكثر حرصاً على طمأنة المؤسسات المالية الدولية من اهتمامها بالقدرة الشرائية للمواطن.

وفي السياحة، ورغم الانتعاش الملحوظ، فإن الفضل يعود أكثر إلى الظرفية العالمية ما بعد جائحة كوفيد، لا إلى سياسات حكومية مستدامة.

أما على المستوى التشريعي، فيُعتبر قانون العقوبات البديلة خطوة متقدمة نحو إعادة الإدماج، لكن استثناء قضايا المخدرات والاعتداءات على الطفولة يثير تساؤلات حول مدى جدية المقاربة الإصلاحية.

وهكذا يتضح أن خطاب الحكومة يقوم على تضخيم الأرقام والوعود أكثر مما يقوم على تقييم واقعي للأثر في حياة المواطنين.

فالإصلاحات المعلنة تبقى محاصَرة في حدود التسويق السياسي، بينما الواقع اليومي يرسم صورة مغايرة: أسعار ملتهبة، خدمات عمومية متعثرة، وتفاوتات اجتماعية متنامية.

الحكومة تقول إن “الوقت المناسب سيأتي للحديث بإسهاب”. لكن المواطن يجيب عملياً: الوقت المناسب هو الآن، والامتحان الحقيقي هو أثر السياسة في الجيب والمدرسة والمستشفى.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version