حين ضرب زلزال الحوز، خرجت الدولة لتعلن تعبئة وطنية كبرى، صندوق خاص، أرقام فلكية، وخطابات متكررة عن “إرادة إعادة الإعمار”.
لكن بعد مرور عام تقريباً، يبقى السؤال البسيط معلّقاً: أين ذهبت الملايير؟
الحكومة أعلنت عن رصد 120 مليار درهم (ما يعادل 12 ألف مليار سنتيم) لتمويل إعادة البناء وتنمية الأقاليم المنكوبة.
أرقام توزعت على ثلاث مستويات: دعم مباشر لإعادة بناء المنازل المنهارة (140 ألف درهم للبيت المهدوم كلياً، و80 ألف درهم للإصلاح)، تأهيل البنية التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس وماء وكهرباء، ثم إطلاق مشاريع تنموية طويلة الأمد في الفلاحة الجبلية والسياحة وتشغيل الشباب.
لكن الواقع الميداني يقول شيئاً آخر: آلاف الأسر ما تزال تعيش بين الخيام والبرّاكيات، المدارس لم تُبنَ، الطرقات المقطوعة كما كانت يوم الزلزال، والمستشفيات الميدانية انسحبت تاركة الساكنة وحيدة أمام البرد والجبل والانتظار.
دستور 2011 نصّ بوضوح على ربط المسؤولية بالمحاسبة وأكّد على مبادئ الحكامة الجيدة.
فما الذي يعنيه أن تُعلن الحكومة عن 120 مليار درهم دون أن يطّلع الرأي العام على الحصيلة الفعلية للصرف؟
أين هي تقارير التتبع الفصلية؟
أين هي لوائح المستفيدين والصفقات؟
ولماذا ما تزال الاعتمادات الكبرى حبيسة الحسابات الخصوصية للخزينة بدل أن تتحوّل إلى بيوت وأسقف فوق رؤوس الناس؟
إنها ليست فقط أسئلة مالية، بل أسئلة دستورية وسياسية، تمتحن جدية الدولة في الالتزام بروح القانون الأعلى للبلاد.
الأرقام تصرخ أكثر من الخطابات: 120 مليار درهم مُعلنة، آلاف البيوت المهدمة لم يُبنَ منها سوى نسبة محدودة لم يُكشف عنها رسمياً، أكثر من 200 مدرسة تضررت ولم تُعلن حصيلة إعادة إعمارها إلى اليوم، وبنية تحتية ما تزال على حالها رغم كل البلاغات الوزارية.
هذه المفارقة وحدها كافية لتطرح الشكوك: هل صار الزلزال مجرد ملف إداري يُدار عبر الورق والمراسلات، بدل أن يكون ورشاً استعجالياً يُدار بالإسمنت والحجر؟
في قلب هذه الأسئلة يظهر اسم فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، باعتباره “محاسب الدولة” والممسك بمفاتيح الاعتمادات.
اليوم، لا يكفي أن يكرر لازمة “التدبير المحكم”، بل المطلوب جواب صريح: كم صُرف فعلاً من أصل 120 مليار درهم؟ كم مشروع اكتمل على الأرض؟ ومن يستفيد من التأجيل الطويل؟
لكن المسؤولية لا تقع على لقجع وحده، بل على الحكومة بأكملها، لأنها هي من وعدت وهي من أعلنت الأرقام وهي من تتحمل أمام المغاربة امتحان المصداقية.
الحوز لم يطلب المستحيل: فقط بيت يستر الناس، مدرسة تحفظ أبناءهم، ومستشفى قريب ينقذ حياتهم.
لكن ما حدث هو العكس: إعمار مؤجل، صفقات لمكاتب دراسات، ووعود تُستهلك في البلاغات، والنتيجة جرح مفتوح يفضح مفارقة “الملايير على الورق، والفقر على الأرض”.
لقد قيل لنا إن هذا الصندوق سيكون “تجربة نموذجية في الحكامة”، لكن الواقع ينذر بفضيحة صامتة، عنوانها: أموال محبوسة في الحسابات، وساكنة محبوسة في الخيام.
ولذلك فإن أول خطوة لاستعادة الثقة هي أن يخرج المسؤولون، وعلى رأسهم لقجع، ليجيبوا بصراحة: أين صرفت الأموال؟ لماذا ما تزال عشرات القرى بلا إعمار؟ ومتى سيتحوّل الملف من لغة البلاغات إلى لغة الإسمنت والحجر؟
إن الحوز ليس رقماً في الميزانية، ولا ورشاً في دفتر الحكومة، بل امتحان وجودي للدولة كلها: هل هي دولة مسؤولة تفي بالتزاماتها، أم مجرد آلة لتكديس الأرقام في جداول المحاسبة؟