كرة القدم تحوّلت إلى دين جديد تُصرف عليه المليارات بلا حساب، بينما المدرسة تنهار والمستشفى يموت بصمت.
أربعة ملاعب فخمة في الرباط من أجل بطولة عابرة، وأقسام في القرى تتحوّل إلى إسطبلات، ونساء حوامل يفارقن الحياة على الطرقات قبل أن يبلغن أقرب مركز صحي. هذه ليست صدفة، بل نتيجة هندسة مقصودة للأولويات.

العرّاب الذي يوقّع على الدفاتر هو نفسه رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، وهو نفسه مهندس “المغرب 2030”.
جمع بين المال والملعب، بين الأرقام والصفقات، وصار مايسترو الأولويات المقلوبة: ملاعب مونديالية مفتوحة بلا سقف مالي، وتعليم وصحة في ذيل الترتيب العالمي.

الأرقام تكشف الفضيحة: المغرب في المرتبة 110 في التعليم، وفي المرتبة 94 من أصل 99 في الصحة. بلد يصرف الملايير على العشب الأخضر، ويترك أكثر من 270 ألف تلميذ يغادرون المدرسة كل سنة، ومرضى يموتون في ممرات مستشفيات لا تصلح حتى للقرن الماضي.

تكلفة ملعب واحد من ملاعب “2030” تعادل تجهيز مئات المدارس أو بناء عشرات المستشفيات، لكن الأولوية للعشب والصورة لا للإنسان والكرامة.

المونديال لم يعد مجرد رياضة، بل سياسة كاملة. كلما ارتفع منسوب الغضب، يُعلن عن ملعب جديد.
كلما اتسعت هوة الثقة، يُكشف عن مشروع ضخم.

إنها إدارة بالكاميرا، صورة تلمّع الخارج وتخفي الخراب في الداخل. العرّاب/الرئيس العام لا يلعب بالكرة فقط، بل يلعب بمصير أمة.

التاريخ لا يرحم. الملاعب قد تبقى مغلقة أو شبه معطلة بعد البطولة، أما الثغرات في التعليم والصحة فتتراكم جيلاً بعد جيل.

التنمية ليست في مدرجات ممتلئة لأسابيع، بل في أجيال قادرة على التفكير والإبداع. قوة الدول لا تُقاس بعدد الملاعب ولا بحجم العشب، بل بجودة تعليمها وصحة مواطنيها.

إن لم يُكسر هذا الخلط بين الدفاتر والعشب، بين عرّاب المالية/رئيس الجامعة ومهندس المغرب 2030، سيظل المغرب بلداً يتقدّم في المباريات ويتراجع في مؤشرات الكرامة.
بلد يراهن على المونديال بينما يعيش مواطنوه في مونديال آخر: مونديال النجاة من مدرسة فارغة ومستشفى ميت.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version