التدوير كأيديولوجيا… حين يصبح الفشل منهجاً للحكم

المشهد السياسي المغربي يكشف اليوم عن مفارقة خطيرة: وزراء يثبت عجزهم في حقائب سيادية، ومع ذلك يُعاد تدويرهم وكأن الفشل جواز مرور لا عائق. التعليم يتعثر. الصحة تتداعى. الاستثمار يراوح مكانه. ومع ذلك فإن نفس الأسماء تعود لتحتل كراسي جديدة. الفشل لا يقود إلى المساءلة بل إلى الترقية. والإعفاء لا يعني النهاية بل بداية لمسار آخر. “في المغرب الفشل لا يُعاقب… بل يُكافأ بوزارة أخرى.”

التدوير لم يعد استثناء بل تحول إلى أيديولوجيا قائمة بذاتها. الوجوه نفسها تُستنسخ لتدبير ملفات مختلفة. القرارات تُصاغ في غياب رؤية استراتيجية. الميزانيات بالمليارات تُدار بعقلية التجريب. وحين تُستنسخ الوجوه يُستنسخ معها الفشل.

المفارقة لا تقف عند حدود الوزارات. الدبلوماسية نفسها أصبحت رهينة منطق الغنيمة. السفراء يُنتقون لا باعتبار خبراتهم ولا تراكم مسارهم، بل كملحق حزبي خارج الحدود. السفارة تتحول إلى منفى مرفّه لمن انتهى دوره في الداخل. المنصب يُمنح بميزان الولاء لا بميزان الكفاءة. “السفارة ليست أداة إشعاع للدولة بل جائزة ترضية للموالين.”

الدستور المؤجل يتحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة. لكنه يظل نصاً جميلاً بلا أثر في الواقع. وزراء فاشلون يتجددون. سفراء بلا بصمة يُكرَّسون. والدوائر المغلقة تعيد إنتاج نفسها. “المحاسبة كلمة في النصوص… لكنها غائبة في الواقع.”

هكذا يتشكل مغرب بسرعتين. مغرب معروض في المؤتمرات كقصة نجاح دولية. ومغرب آخر يعيشه المواطن حين يبحث عن سرير في مستشفى عمومي أو مقعد في مدرسة قروية أو ثمن خبز في السوق. “مغرب يُسوَّق في الخارج… ومغرب يُستنزف في الداخل.”

الخلاصة السياسية عارية من أي تجميل. لسنا أمام دولة كفاءات بل دولة ولاءات. لسنا أمام ديمقراطية بل أمام زبونية مغطاة بديباجة دستورية. النتيجة أزمة أعمق من مجرد تدوير الوزراء أو تنقيط السفراء. إنها أزمة إنتاج نخب. “في النهاية ما يتغير هو الوجوه… أما الأعطاب فتبقى كما هي.”

في لحظة يتفاخر فيها الخطاب الرسمي بإنجازات متخيلة، يكشف الواقع أن ما نعيشه ليس إصلاحاً بل مسرحاً. المسرح يتبدل فيه الممثلون، أما النص فيظل هو نفسه. والفرق بين دولة حديثة ودولة متعثرة ليس في فصاحة الدساتير ولا في صخب الخطب، بل في صدق المحاسبة. وإذا استمر التدوير بديلاً عن المحاسبة، فإننا لن نبني إصلاحاً بل سنعيد إنتاج الأعطاب ذاتها، ولكن بوجوه أكثر بريقاً وكلفة أثقل على المواطن.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version