منذ اللحظة الأولى لزلزال الحوز، اختارت الدولة خطاب التعبئة الوطنية: صندوق خاص، 120 مليار درهم، لجان وزارية، ووعود بإنجاز تاريخي.
وبعد سنتين، تعلن الحكومة أن ورش الإعمار قطع 91,33 في المئة، وأن الخيام أُزيلت نهائياً، وأن 24 ألف مسكن بُني وفق معايير تقنية عالية. أرقام كبيرة، صيغت بلغة دقيقة حتى رقم الفاصلة العشرية. لكن السؤال يظل أكبر: هل نحن أمام حقيقة ميدانية أم مجرد بلاغات رياضية؟

الفاعلون المدنيون يقدّمون رواية مغايرة تماماً. التنسيقية الوطنية لضحايا الزلزال والائتلاف الوطني من أجل الجبل يصرّون على أن الخيام ما زالت قائمة في عشرات الدواوير، وأن عدداً من الأسر لم تتوصل بالدعم أو حُرمت منه بسبب اختلالات إدارية.
بل أكثر من ذلك: يتحدثون عن سياسة فرض الأمر الواقع، حيث يُطلب من المتضررين إفراغ خيامهم بالإكراه لإعطاء صورة بأن الأزمة انتهت، بينما الواقع يصرخ بالعكس.

المعضلة تكمن في الأرقام الرسمية نفسها. في دجنبر، قالت الحكومة إن 35 ألف أسرة أنهت أشغال البناء.
بعد شهر واحد، أعلنت اللجنة البين وزارية أن العدد هو 33 ألف. كيف يمكن للبناء أن يتراجع بدل أن يتقدم؟ هل تساقطت المنازل في الإحصاء بدل الزلزال؟ أم أن لغة الأرقام تحولت إلى لعبة سياسية؟

واليوم، تقول الحكومة إن 46 ألف أسرة أعادت بناء منازلها. لكن لوائح المتضررين الأصلية كانت تضم 57 ألف أسرة.
أين ذهبت 11 ألف أسرة؟ هل شُطبت من السجلات؟ هل ذابت في فجوة محاسبية؟ أم أن حكومة الأرقام وجدت في الصمت وسيلة للهروب من السؤال؟

حتى الرقم السحري 91 في المئة لا يقوم على افتحاص مستقل، بل على تقارير العمالات واللجان المحلية. بمعنى آخر: أرقام تُنتَج وتُراقَب داخل نفس الجهاز، بلا عين ثالثة ولا شفافية حقيقية. والمفارقة أن مؤسسة الوسيط، وهي الوحيدة التي تفاعلت مع شكايات المتضررين، أعلنت بكل وضوح: عدم الاختصاص. أما باقي مؤسسات الحكامة، فاختارت الصمت.

النتيجة أن لغة الأرقام الرسمية لم تعد تقنع أحداً. لأن المواطن البسيط لا يسكن في النسب المئوية، بل في بيوت واقعية. وما دام آلاف الناس ما زالوا بين خيام ممزقة وقاعات انتظار، فإن الحديث عن الإعمار الشامل يصبح مجرد وهم تجميلي.

لقد كان ورش إعادة إعمار الحوز فرصة حقيقية للحكومة كي تثبت أنها ليست فقط حكومة بلاغات، بل حكومة إنجاز. فرصة لتجعل من العدالة المجالية واقعاً ملموساً، لا شعاراً يُستعمل في المناسبات. لكن ما نراه اليوم هو تكريس صورة أخرى: حكومة الأرقام. حكومة تعرف كيف تملأ الجداول بالنسب، لكنها تفشل في ملء وعودها على الأرض.

المفارقة أن الزلزال الطبيعي هزّ الأرض لدقائق معدودة، بينما الزلزال السياسي والرقمي يستمر لسنتين. وما بينهما تظل الثقة هي الخسارة الأكبر. وحين تنهار الثقة، تنهار معها قيمة كل الأرقام.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version