لم يكن تصريح مديرة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة طنجة تطوان الحسيمة مجرّد زلة لسان عابرة، بل نافذة تكشف منطقاً إصلاحياً يُسَوِّق المدرسة العمومية على أساس النخبوية بدل العدالة.

فالقول بأن “تلميذاً واحداً من مدارس الريادة يعادل ثمانين من باقي المدارس” لا يعكس جودة تعليمية بقدر ما يكرّس رؤية تُحوِّل المتعلم إلى وحدة قياس للفوارق.

البرلمان التقط الرسالة بسرعة، بعدما وصفتها إحدى النائبات بكونها “نظرة تمييزية”، تتناقض مع دستور المملكة الذي نص بوضوح على مبدأ تكافؤ الفرص، ومع مجمل البرامج الإصلاحية التي تعهدت برفع مستوى الجميع.

غير أن خطورة التصريح تتجاوز واقعة إعلامية، لتضع الإصلاح التربوي برمته في قفص المساءلة: هل الهدف صناعة “تجارب نموذجية” معدّة للتسويق في المنتديات الدولية، أم بناء مدرسة عمومية عادلة تُخرج أجيالاً متساوية في الحقوق والفرص؟

الأرقام التي استندت إليها المديرة (30% في الفرنسية، 28% في الرياضيات، 22% في العربية) تبقى بلا معنى إن لم تضع في صلبها سؤال العدالة المدرسية. فالتقدم الحقيقي ليس أن نجد تلميذاً خارقاً يعادل ثمانين، بل أن نصنع ثمانين تلميذاً متساوين في الكرامة والمستقبل.

في العمق، ما جرى ليس حدثاً معزولاً، بل يتقاطع مع سياسة أوسع تُهندس التفاوتات: مدارس ريادة في التعليم، مصحات خاصة في الصحة، مشاريع كبرى متركزة في المركز، مقابل هوامش عطشى ومناطق مهمشة. وهنا تتحول لغة الإصلاح إلى واجهة مضيئة تُخفي وراءها ظلاً قاتماً.

إن المدرسة العمومية ليست مختبراً لإنتاج “تلميذ يعادل ثمانين”، بل فضاء وطني لصناعة المواطن المتساوي. وما عدا ذلك، أوهام ريادة لا تلبث أن تنكشف أمام واقع الفوارق المتجذرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version