“الثروة الحقيقية ليست الفوسفاط المدفون في باطن الأرض، بل هي النساء والرجال”… جملة اختارها مصطفى التراب ليصنع منها مانيفستو جديد لـ OCP، أو بالأحرى دستور غير مكتوب لمجموعة تحولت من شركة عمومية إلى ما يشبه “إمبراطورية ناعمة” تتحكم في الغذاء، التعليم، الطاقة، المياه، بل وحتى في الرياضة.

كشفت مصادر إعلامية أن الرجل لا يكتفي بتسيير مناجم خريبكة، بل ينسج خيوط رؤية تمتد إلى 2050، محمولة على ثلاثية: الرأسمال البشري، إفريقيا، والبحث العلمي.
وهنا يطل سؤال صعب: هل نحن أمام مشروع اقتصادي وطني أم أمام “دولة داخل الدولة” برأسمالها البشري الخاص، وجامعتها الخاصة، وتمويلها البنكي الخاص؟

التراب تحدث عن “النية” كفلسفة تدبير. النية عنده ليست سذاجة، بل قوة. لكن ماذا عن النية تجاه العمال الذين ما زالوا ينزلون أعماق المناجم وسط ظروف عمل قاسية؟ هل النية تكفي لتعويض الفوارق الصارخة بين مدير عام يفاوض البنوك الدولية وعامل بسطح منجم يبحث عن ضمان اجتماعي؟

ثم تأتي إفريقيا… التراب يقول: “إفريقيا بيتنا”. خطاب مؤثر، لكن القارة بالنسبة لـ OCP هي أيضاً سوق ضخمة غير مشبعة بالأسمدة. هنا يذوب التضامن في لغة البزنس، ويتحوّل “البيت الإفريقي” إلى “سوق إفريقي”، وهو فارق جوهري بين السياسة والاقتصاد.

جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P) تقدم كذراع بحثي لـ OCP. استثمارات هائلة، ابتكارات في الأسمدة، المياه، البيئة. لكن هذا يفتح سؤالاً آخر: لماذا تبقى الجامعة العمومية غارقة في الإضرابات والاكتظاظ وضعف البحث العلمي؟ لماذا يكون “التعليم الممتاز” دائماً محجوزاً لدوائر النخبة القريبة من الشركات العملاقة؟

أما في التمويل، فالرجل يفتخر بثقة البنوك المغربية، التي ساهمت حتى في إصدارات OCP الدولية. لكن هذه الثقة تخفي واقعاً ثقيلاً: الديون صارت جزءاً من النموذج المالي، والرهان على السوق العالمية يحمل مخاطر قد تنفجر مع أي أزمة دولية.

الرياضة بدورها لم تسلم من تمدد الفوسفاط. إنشاء “EVO Sport” مع الجامعة الملكية لكرة القدم يوحي أن OCP لم تعد تكتفي بملء خزائن الملاعب، بل تصوغ مستقبلاً رياضياً احترافياً يواكب كأس العالم 2030. لكن المواطن قد يسأل: ما موقع “النية” حين تصبح الكرة جزءاً من استراتيجية الفوسفاط، بينما الشباب في الأحياء الشعبية لا يجدون ملعباً ترابياً يليق بطفولتهم؟

الخلاصة أن مصطفى التراب يصنع سردية جديدة: OCP ليست مجرد شركة، بل مشروع حضاري يربط الفوسفاط بالمعرفة والرياضة والمستقبل الإفريقي.
لكن تحت هذا السرد البراق، تظل الأسئلة حارقة: هل فعلاً الرأسمال البشري هو الأولوية، أم مجرد شعار لتلميع صورة مؤسسة عابرة للقطاعات؟ هل الجامعة الخاصة تعني تعميم المعرفة، أم تخصيصها لفئة محدودة؟ وهل التضامن الإفريقي هو رؤية استراتيجية أم تجارة بواجهة إنسانية؟

وسؤال يفرض نفسه مع كل حوار أو تصريح: من يحاسب هذا الرجل الذي يقود إمبراطورية الفوسفاط منذ عقود؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version