أعلنت الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة عن صفقة جديدة بكلفة تناهز ملياراً و900 مليون سنتيم، الهدف منها ليس إطلاق منصة جديدة أو ابتكار خدمة نوعية، بل مجرد “الصيانة الوقائية والتصحيحية والتطويرية” لبوابة Idarati.ma.

على الورق، تبدو العملية تقنية بحتة: مراقبة الخوادم، تحديثات أمنية، تدقيق الصلاحيات، نسخ احتياطية، معالجة الأعطاب عبر نظام التذاكر، وتطوير بعض الوظائف على الطلب.

مهام روتينية يعرفها كل مختص في تكنولوجيا المعلومات، لكنها في المغرب تتحول إلى صفقة بملايين الدراهم، تتجدد سنة بعد أخرى، وكأننا أمام قطاع ريع رقمي قائم بذاته.

المفارقة الصارخة أن المواطن المغربي ما يزال يواجه نفس المتاهة الإدارية: طوابير الانتظار، أختام متهالكة، نسخ مطابقة للأصل، وإمضاءات لا تنتهي.

فأي معنى لصيانة بوابة إلكترونية بمليار و900 مليون سنتيم إذا كانت كرامة المرتفق ما تزال عالقة عند شباك الموظف؟

خلال السنوات الأخيرة، تحولت الرقمنة إلى عنوان لسياسة متشظية: عشرات البوابات المستقلة، من “الشكايات” إلى “الضرائب” و”المواعيد” و”العدل”، دون دمج حقيقي أو رؤية موحدة. كل قطاع يطلق منصته، وكل منصة تجر وراءها صفقة جديدة، وبطبيعة الحال ميزانية ضخمة. النتيجة: جزر رقمية متفرقة بدل منظومة وطنية متكاملة.

الأخطر أن منطق “الصيانة” صار غطاءً لإدامة نفس العقلية البيروقراطية، حيث يتم تقديم الفواتير التقنية بديلاً عن الإصلاح العميق.

بينما المواطن ينتظر فعلاً أن تتحول الرقمنة إلى أداة لتقريب الإدارة، نجد أن كل صفقة جديدة تطرح نفس السؤال: هل نحن أمام إصلاح الإدارة، أم أمام صيانة للريع؟

الرقمنة ليست مجرد خوادم أو منصات، بل هي قبل كل شيء فلسفة حكم وإدارة. ما لم تُصن العقليات من أعطاب الزبونية والبيروقراطية، ستظل الرقمنة مجرد شعار عصري يُبرر صفقات ضخمة، بينما تبقى حياة المواطن اليومية معلقة في طابور الانتظار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version