كشفت مصادر إعلامية أن وزارة الثقافة تعيش على وقع جدل جديد، بعد أن وقّع الوزير المهدي بنسعيد، بتاريخ 8 شتنبر 2025، قراراً (رقم 25/151) يقضي بفتح باب الترشيح لشغل منصب الكاتب العام لقطاع الثقافة.
في الظاهر، الأمر يتعلق بمباراة قانونية مشروطة بشهادات عليا وخبرة إدارية طويلة، لكن في الجوهر، يرى متابعون أنّ المنصب صُمّم على المقاس ليُختم باسم واحد: صلاح الدين عبقاري، المستشار السابق وصديق الوزير المقرّب.

عبقاري، الذي صعد بسرعة صاروخية من مستشار شاب إلى مدير مركزي مكلف بالصفقات والميزانية، ثم إلى كاتب عام بالنيابة، بات اليوم المرشّح الأقوى لاحتلال الكرسي بشكل رسمي.
لكن هذه السرعة غير المسبوقة في المسار الإداري، تطرح أسئلة عميقة حول طبيعة معايير الاختيار: هل نحن أمام كفاءة استثنائية؟ أم أمام تكريس لقاعدة “الولاء قبل الكفاءة”؟

المثير أنّ الملفات التي مرّت بين يدي عبقاري لم تكن ملفات عابرة، بل صفقات بملايين الدراهم، منها معارض ومهرجانات استقرت عقودها عند شركات بعينها، وسط حديث عن مستفيدين فرّوا إلى الخارج واستقروا في دول أوروبية معروفة بإخفاء الأموال. هكذا، يتحول المنصب من وظيفة إدارية إلى منصة استراتيجية تتحكم في المال العام الموجّه للثقافة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أنّ الوزير بنسعيد أبعد الكاتبة العامة السابقة سميرة المليزي إلى المكتبة الوطنية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تفريغ مقصود للكرسي من أجل أن يجلس فيه “المرشّح الطبيعي”.
وهنا يظهر التناقض الصارخ: حزب الأصالة والمعاصرة يرفع شعار “تشبيب الإدارة”، لكنه في الواقع يكتفي بإعادة إنتاج منطق المحسوبية بوجوه شابّة.

ويبقى السؤال معلقاً: هل ستكتفي الوزارة بتثبيت عبقاري ككاتب عام رسمي، ليكتمل المشهد المرسوم سلفاً؟ أم ستبحث في سنة انتخابية عن اسم آخر يُمسح فيه الغبار المتراكم من أخطاء وشبهات، ويُقدَّم للرأي العام كرمز لبداية الإصلاح؟

لكن خلف هذه التفاصيل، يبرز سؤال أكبر وأخطر: أين المحاسبة؟ من يحاسب من؟ وهل أصبحت وزارة الثقافة، ومن ورائها مؤسسات الدولة، فضاءً لتبادل المناصب بين الأصدقاء والمقرّبين، فيما تُقصى الكفاءات الحقيقية خارج اللعبة؟ إنّ الجواب عن هذه الأسئلة لا يهم وزارة الثقافة وحدها، بل يمسّ جوهر ثقة المواطن في مؤسسات الدولة نفسها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version