أعلن يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، عن فتح ورشٍ لتعديل مدونة الشغل، مؤكداً أن الحكومة تعتزم تحسين أوضاع حراس الأمن الخاص، الذين يشتغلون في ظروف وصفها بأنها “غير مقبولة”، خصوصاً بعد أن تحوّلت مهنتهم إلى عمل يومي يمتد إلى 12 ساعة متواصلة لتأمين المؤسسات العمومية والخاصة.

الوزير شدّد على أن هذا الوضع لم يعد مقبولاً، وأن الحل هو تقليص ساعات العمل إلى ثماني ساعات يومياً على غرار باقي الأجراء.

غير أن المثير في تصريح الوزير أنه اختزل الإشكال في زاوية ضيقة: عدد الساعات. لم يتحدث عن الأجور، لم يتوقف عند الحد الأدنى غير الكافي الذي لا يتجاوز في كثير من الحالات 3 آلاف درهم، وأحياناً أقل مع حرمان من أبسط الحقوق الاجتماعية، مثل التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو الاستفادة من التعويضات.

كأن كرامة الحارس تُختزل في ساعة إضافية أو ناقصة، بينما الحقيقة أن معاناته الحقيقية تكمن في الأجر الهزيل الذي لا يكفي حتى لتغطية كلفة العيش في المدن الكبرى.

مدونة الشغل التي أقرت سنة 2004 سمحت حينها بــ12 ساعة متقطعة تخصّ في الأصل حراس المنازل، لكن تطور القطاع إلى شركات متخصصة في الحراسة الأمنية حوّل الأمر إلى استغلال مقنّن، حيث صار الحارس مجبراً على ساعات طويلة مقابل فتات مالي، في غياب رادع حقيقي للشركات التي تبني أرباحها على عرق العمال. ومع ذلك، لا نسمع من الوزير إلا لغة التطمين، ولا نلمس من الحكومة إلا شعارات الإصلاح.

كشفت تقارير إعلامية أن عدداً من شركات الحراسة لا تلتزم حتى بالحد الأدنى للأجور، وتلجأ إلى التحايل عبر عقود هشّة، فيما لا تتدخل السلطات الرقابية إلا نادراً.

ورغم هذا الواقع الفجّ، فضّل السكوري الحديث عن “تعديل تشريعي” يخصّ الساعات، تاركاً النقطة الجوهرية في الظل: كم يتقاضى هؤلاء مقابل يومهم الطويل؟

الصورة تزداد قتامة حين ندرك أن وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، التي يفترض أن تكون حارسة للقدرة الشرائية وضامنة لعدالة الأجور، لم تطرح هذا الملف بنفس الحدة. بل ظل خطابها مقتصراً على لغة الأرقام العامة، دون أي التزام فعلي بتسقيف الأسعار أو الرفع من الحد الأدنى للأجور بما ينسجم مع واقع الغلاء. وكأن الحكومة وزّعت الأدوار: وزير التشغيل يتحدث عن الساعات، ووزيرة الاقتصاد تصمت عن الأجور.

إن الحديث عن مراجعة مدونة الشغل لن يكون له أي أثر إذا لم يُرفق بإصلاح جذري لنظام الأجور في هذا القطاع وغيره.

فالحارس الذي يقضي يومه كاملاً واقفاً أمام باب إدارة أو مؤسسة، لا يحتاج فقط إلى تقليص ساعات عمله، بل يحتاج أولاً إلى أجر كريم يضمن له العيش بكرامة، وسلة حقوق اجتماعية تحميه من الهشاشة.

يبقى السؤال المطروح: هل ما يجري هو إصلاح حقيقي يستهدف إنصاف الفئات الهشة، أم مجرد إعلان سياسي يراد منه تسجيل نقاط إعلامية؟ وإذا كان الوزير قد التفت إلى الساعات، فمن يجرؤ على فتح الملف الأصعب: الأجور والقدرة الشرائية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version