بينما يتهيأ آلاف المشردين للنوم تحت الجسور وفي زوايا الأرصفة، متدثرين بقطع كرتون مهترئة، اختارت وزارة التضامن أن تعلن عن “تضامن” من نوع آخر: تضامن مع المكاتب والكراسي وآلات التصوير الرقمية.

ثلاث صفقات فقط خلال شتنبر، بميزانية تقارب نصف مليار سنتيم، لتجهيز المقرات بأثاث فاخر وكاميرات مراقبة، في وقت يتساقط فيه ضحايا العراء واحداً تلو الآخر مع أول موجات البرد.

الوثائق الرسمية تكشف عن أرقام فلكية: 233 مليون سنتيم لآلات تصوير مزودة بشاشات لمس ووحدات تخزين داخلية، 158 مليون سنتيم للأثاث المكتبي الفاخر من الخشب المصقول والكراسي الجلدية، و37 مليون سنتيم لكاميرات مراقبة بمواصفات عالية. رفاهية إدارية متكاملة، وكأن الوزارة تستعد لتصوير فيلم وثائقي عن “الإدماج الاجتماعي” بدل مواجهة مأساة التشرد.

المفارقة الموجعة أن وزارة الداخلية تُعبّئ رجال السلطة لحملات إيواء عاجلة، بينما وزارة التضامن، صاحبة الاختصاص الأصلي، تغرق في سباق العروض والصفقات. هنا ينطبق العنوان الذي يختصر المشهد: حين يصبح التضامن رفاهية إدارية… والمشردون وقود شتاء قارس.

هذه الصفقات ليست مجرد أرقام في دفاتر التحملات؛ إنها مرآة لسياسة عامة تُغرق الفقراء في البرد والجوع، وتغرق الإدارة في الكراسي الجلدية. نصف مليار سنتيم لو خُصصت لمراكز إيواء وتجهيزات بسيطة لكان كفيلاً بإنقاذ آلاف الأرواح. لكن يبدو أن التضامن في هذا البلد صار ديكوراً إدارياً، يلمع في المكاتب، ويذبل على الأرصفة.

ويبقى السؤال: هل سنحتاج إلى كاميرات الوزارة لنوثّق مشاهد الموت في الشوارع، أم إلى إرادة سياسية تعيد التضامن إلى معناه الحقيقي؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version