وجه الدكتور أحمد الجرمومي، طبيب مقيم بمصلحة جراحة الأطفال في مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، نداءً عاجلاً إلى الملك محمد السادس، طالب فيه بالحماية الملكية بعد تعرضه لتهديدات نتيجة كشفه ما وصفه بـ”فساد متغلغل” داخل المصلحة.
كشفت مصادر طبية أن الطبيب الشاب كان قد رفع تقارير رسمية حول اختلالات مالية وإدارية خطيرة، مشيرة إلى أن تجاوب بعض الجهات لم يمنع استمرار الضغوط والتهديدات التي استهدفته في شخصه، ما دفعه إلى دق باب المؤسسة الملكية كآخر حصن للأمان.
النداء الملكي يعكس، في جوهره، مأساة أوسع تتجاوز واقعة فردية، وتفضح هشاشة المنظومة الصحية برمتها. فكيف يُمكن لقطاع يقوده وزير سابق لشركة خاصة لا علاقة لها بالصحة أن يضع أسس إصلاح حقيقي، بينما المستشفيات العمومية تنهار تحت وطأة الفوضى والزبونية؟
السياسة الصحية الحالية تبدو أقرب إلى إدارة مالية باردة منها إلى مشروع إنقاذ اجتماعي. فبدل أن يكون المستشفى العمومي فضاءً للثقة والكرامة، صار مسرحاً لصراعات النفوذ وصفقات المعدات، حيث يُترك الطبيب والمريض معاً في مواجهة عجز المنظومة.
نداء الجرمومي هو صرخة جيل جديد من الأطباء الذين يرفضون الصمت على فساد مستشري، وصدى لمطلب شعبي يتجاوز سؤال “من يحمي الطبيب؟” إلى سؤال أكبر: من يحمي صحة المغاربة في زمن تُختزل فيه السياسة العمومية في شعارات براقة بلا أثر على الواقع؟
أمام هذه الصورة القاتمة، تبدو الحكومة الحالية، بقيادة عزيز أخنوش، عاجزة عن كسب ثقة الأطباء والمواطنين على حد سواء. فالشعارات حول “إصلاح الصحة” لا تكفي حين تتحول المستشفيات إلى عبء يهرب منه المرضى نحو المصحات الخاصة، ويهرب منه الأطباء نحو الهجرة أو الاستقالة.
نداء طبيب إلى الملك لم يكن مجرد طلب حماية شخصية، بل شهادة حيّة على انهيار منظومة، ورسالة مباشرة بأن الفساد حين يصل إلى قلب المستشفى العمومي، فإنه يهدد آخر خيط يربط المواطن بوطنه: الحق في الحياة.