لم تكن الوقفة الاحتجاجية أمام المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير مجرد حدث عابر، بل كانت محاكمة مفتوحة لتحالف حكومي بأكمله.
تحالف وُلد على مقاس الانتخابات بين الأحرار والبام والاستقلال، وقدم نفسه بواجهة براقة اسمها “حكومة الكفاءات”، فإذا بها تتحول إلى حكومة الأزمات، حكومة الفشل في أبسط حق وهو الحق في الحياة.
ست نساء شابات قضين في عمليات قيصرية، دماؤهن أحرجت كل شعارات الإصلاح الصحي وكل خطابات الإنجاز، وجعلت الناس يصرخون أمام المستشفى: هذا عيب هذا عار… مقبرة أم سبيطار.
تلك الصرخة لم تكن تخص أكادير وحدها، بل كانت صرخة المغرب المنسي من دواوير الأطلس والجنوب الشرقي والقرى المحاصرة بالعزلة، المغرب الذي لا يظهر في القناة الأولى والثانية حيث كان عزيز أخنوش يتحدث قبل أيام عن الأوراش الكبرى والحماية الاجتماعية، بينما في الواقع كان المواطن يشيّع موتاه عند أبواب المستشفيات.
أي مفارقة هذه بين شاشة ملوّنة وواقع رمادي، بين لغة الأرقام ولغة الألم، بين حكومة تتبجح بالمنجزات ومواطن يصرخ من القهر؟
كيف يمكن لبلد يخصّص أكثر من 28 مليار درهم للصحة أن يعجز عن توفير طبيب واحد مقيم أو قاعة ولادة مجهزة أو دواء بسيط؟
وكيف يمكن أن يُقنعنا تحالف الأغلبية بأن الكفاءة هي معيار توزيع المناصب بينما الحقيقة أنها غنيمة حزبية؟
من وزارة الصحة إلى غيرها، الكفاءات لم تكن سوى واجهة لتقاسم الغنائم، والنتيجة منظومة تُنتج الأزمات بدل أن تعالجها، وحكومة تدفن وعودها كما تُدفن النساء في قاعات العمليات.
إن تصريحات المديرة الجهوية للصحة عن الأسف ولجان التحقيق لا تزيد المواطن إلا إحساساً بأنه مجرد رقم في إحصاءات رسمية.
أما الواقع فهو أن الثقة تتآكل كل يوم، المواطن الذي فقد زوجته أو أمه لن يصدق بعد اليوم أن حكومته تحرص على كرامته.
والساكنة التي تُهمل لعقود لن ترى في خطابات الوزراء سوى استهزاء بمعاناتها.
المغرب اليوم يسير بسرعتين:
مغرب النخب التي تحتكر المناصب والشاشات، ومغرب المنسيين الذين يدفعون الثمن.
وإذا استمر هذا التناقض فلن تبقى أي ثقة ولا أي رابط اجتماعي.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة كاملة: الأزمة ليست أزمة صحة فقط، بل أزمة حوكمة ومسؤولية ومحاسبة.
أزمة تحالف سياسي جعل الدولة شركة لتوزيع المنافع، وترك المواطن وحيداً يواجه مصيره.
أكادير لم تكن مجرد وقفة احتجاجية، بل كانت إنذاراً صريحاً.
صرخة من الجنوب تقول بوضوح: إن الكرامة لم تعد مطلباً مؤجلاً بل شرطاً للبقاء.
وإن استمرار هذا المسار سيجعل من حكومة الأغلبية الساحقة عنواناً للفشل الساحق.