مرة أخرى، خرجت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح لتؤكد أن أسعار المحروقات في المغرب تخضع لـ”الرصد والمتابعة اليومية” من طرف الحكومة.
جملة قد تبدو في ظاهرها مطمئنة، غير أنها تخفي في عمقها مفارقة صارخة: كيف يمكن لحكومة تراقب يوماً بيوم تقلبات السوق أن تعترف في الوقت نفسه بأنها لا تتدخل في الأسعار؟

فالوزيرة، في جوابها على سؤال برلماني، شددت على أن التسعير في السوق الوطنية محرَّر منذ 2015، وأن الشركات هي من تملك سلطة تحديد الأسعار وفق منطق “حرية السوق”.
والنتيجة أن دور الحكومة لا يتجاوز وظيفة “الملاحظ” الذي يكتفي بالتسجيل والتقرير، من دون أن تكون له سلطة فعلية في ضبط الاختلالات أو كبح جشع الفاعلين.

كشفت مصادر إعلامية أن ما يُسمى “المتابعة اليومية” ليس سوى مسطرة تقنية تُسجّل الفوارق بين السوق الدولية والمحلية، بينما يظل المستهلك ينتظر لأسابيع وربما لأشهر كي يلمس أثر أي انخفاض عالمي على الأسعار في محطات الوقود. في المقابل، حين ترتفع أسعار النفط دولياً، ينعكس ذلك سريعاً وبشكل شبه فوري على الفاتورة اليومية للمغاربة.
هذه الازدواجية وحدها تكفي لإبراز هشاشة خطاب “الشفافية” و”التوافق مع الأسواق الدولية” الذي تتبناه الحكومة.

ثم إن حديث الوزيرة عن “هوامش أرباح معقولة” للشركات يطرح سؤالاً مشروعاً: ما هو معيار المعقول؟ وأين الأرقام الدقيقة التي تكشف الفارق بين ثمن الاستيراد أو التكرير وثمن البيع النهائي؟ أليس هذا الغموض في حد ذاته نوعاً من التواطؤ مع لوبي المحروقات الذي استفاد لسنوات من التحرير على حساب القدرة الشرائية للمواطن؟

من جهة أخرى، يظل مجلس المنافسة، الذي استشهدت به الوزيرة، محاصَراً في تقاريره الدورية التي لم تغيّر شيئاً من واقع الاحتكار العملي الذي تعرفه السوق.
فالكل يعلم أن تحرير الأسعار لم يؤدِّ إلى تنافس حقيقي بين الفاعلين، بل عزّز اندماج المصالح وتنسيقاً غير معلن جعل السوق في يد قلة قليلة من الشركات الكبرى.

إن أخطر ما تحمله تصريحات الحكومة هو تكريس منطق “المراقبة من بعيد”: الحكومة ترى، تحلل، تتابع… لكنها في النهاية تختبئ وراء شماعة “الحرية الاقتصادية” كي تبرر عدم التدخل. وهنا تتأكد المعضلة: المواطن الذي يدفع ثمن الزيادات لا يحتاج من يراقب له الأسعار، بل يحتاج سلطة عمومية قادرة على التدخل متى كان السوق مختلاً، أو على الأقل فرض سقف يوازن بين مصلحة الفاعلين وحماية المستهلك.

إن استمرار هذا الوضع يعني أن الحكومة حولت نفسها إلى حارس صامت على بوابة سوق محررة بالكامل، فيما يظل جيب المواطن هو الخاسر الأكبر.
فالمراقبة بلا تدخل ليست سوى وصفة لتكريس الأرباح الطائلة للشركات مقابل معاناة يومية للمواطنين، وذاك هو التناقض الذي يحاول الخطاب الرسمي تغليفه بعبارات “المتابعة اليومية” و”الاستقرار الداخلي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version