“كلشي باقي خاسر”، جملة بسيطة نطقت بها مواطنة من قلب مستشفى الحسن الثاني بأكادير صباح اليوم، لكنها حملت صدقاً أكثر من كل البلاغات الوزارية.
شهادة تختصر واقع قطاع صحي يترنّح منذ سنوات بين أعطاب مزمنة وزيارات بروتوكولية تُلمّع الصورة ولا تمسّ الجوهر.

اليوم، خرج وزير الصحة أمين التهراوي ليعلن إعفاء المديرة الجهوية للصحة، مدير المستشفى الجهوي، والمندوب الإقليمي، مع فسخ عقود شركات الحراسة والنظافة.
قرارات تبدو على الورق كأنها عملية جراحية عاجلة، لكنها في العمق ليست سوى غطاء لمرض عضال اسمه منطق الصفقات المشبوهة.

كشفت مصادر إعلامية أن صفقات تجهيز المستشفيات لم تُبنَ على معايير الجودة ولا على أولويات المريض، بل على شبكة محسوبية ضيقة: أجهزة طبية تتعطّل بعد أشهر من اقتنائها، خدمات أساسية تُغيَّب، أدوية تختفي من الرفوف، فيما الملايين تُضخ في جيوب مقاولين مقرّبين.
والمفارقة أن هذه العقود لم تكن وليدة أخطاء محلية أو اجتهادات فردية، بل صُمِّمت في المركز، بمباركة الوزير الذي صادق وأشرف ووجّه.

ولأن الأزمة ليست شذوذاً يخصّ أكادير وحدها، فقد صار اسم كل مدينة يُتداول مقروناً بمستشفاها الذي يئن: البيضاء، فاس، مراكش، وجدة… كلها عرفت فضائح مماثلة، وكل مواطن بات يردد: “حتى مستشفانا فيه نفس الكارثة”.
المشهد إذن وطني، لا تُخفيه إعفاءات موضعية ولا تغطّيه زيارات بروتوكولية.

كيف يمكن أن يقدَّم الوزير اليوم كمنقذ بينما هو مهندس منظومة مريضة؟ أليس الإصلاح الحقيقي هو محاسبة المسؤول عن صناعة الأعطاب، بدل التضحية بمسؤولين جهويين كانوا مجرد منفذين لتعليمات عليا؟

إن صرخة المواطنة البسيطة من أكادير تختصر كل شيء: أن التغيير لا يكون بإعفاءات فوقية ولا ببلاغات رسمية، بل بقطع شريان الفساد الذي يغذي القطاع الصحي منذ عقود. وما لم يتغيّر الرأس، سيظل الجسد كلّه عليلاً، ينتظر جرعة دواء لا تأتي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version