حين كان البروفيسور خالد آيت الطالب على رأس وزارة الصحة، لم يكن الرجل معصوماً من الأخطاء، لكنه على الأقل كان يعرف خريطة الداء.
جرّاح عاش المستشفيات من الداخل، وخبر تفاصيل الأعطاب اليومية: نقص الأدوية، أعطاب الأجهزة، اكتظاظ المستعجلات، وخصاص الموارد البشرية.
كان يتحدث بلغة الميدان، ويفكر بعقلية الطبيب الذي يضع المريض في قلب اهتماماته، حتى وإن تعثر التدبير.

لكن سرعان ما تغيّرت المعادلة: الطبيب غادر، ودخل المقاول. مع أمين التهراوي تحوّلت وزارة الصحة من فضاء للتشخيص والعلاج إلى ورش مفتوح للصفقات والعقود. لم تعد الأولوية لسرير الإنعاش أو لدواء مفقود، بل لدفاتر التحملات وعقود الحراسة والنظافة والتجهيزات التي لا تصمد سوى أشهر قبل أن تتعطل.

المفارقة أن الوزير الجديد يقدّم نفسه اليوم كمنقذ، بينما بصماته محفورة على جدار الأزمة: هو من صادق على العقود، وهو من بارك الشركات، وهو من وزّع الامتيازات.

كيف له أن يلعب دور المنقذ من حريق أشعل فتيله بيديه؟ الإصلاح عنده يبدأ بإعفاءات فوقية وبلاغات رسمية، لا بمحاسبة منظومة المحسوبية التي صنعت الأعطاب.

الأزمة لم تعد تخص أكادير وحدها، ولا مستشفى بعينه. من البيضاء إلى فاس، ومن مراكش إلى وجدة، صارت أسماء المدن تُتداول مقرونة بمستشفياتها المتهالكة.
كل مواطن يردد: “حتى عندنا نفس الكارثة”. وهذا ما يثبت أن الداء وطني لا محلي، وأن المشكل أكبر من تغيير مدير أو مندوب.

لقد خسر القطاع الكثير حين انتقل من يد الجراح إلى عقلية المقاول. الأول كان ينظر إلى الصحة كرسالة علاجية، أما الثاني فيديرها كصفقة تجارية.
وها هي وزارة الصحة نفسها تدخل اليوم إلى “غرفة الإنعاش”، تنتظر قراراً شجاعاً يعيد لها الروح.

يبقى السؤال معلقاً: هل نحتاج لوزير يحسب الأرباح والخسائر… أم لمسؤول يعرف لغة المريض ويفهم معنى الحياة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version