كشفت اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية أن الحكومة صرفت ما يقارب 40.5 مليار درهم كإعانات مباشرة منذ إطلاق برنامج الدعم في دجنبر 2023، واستعرضت أمام رئيس الحكومة حصيلة تُقدَّم على أنها “نجاح وطني” بلمعان الأرقام: 4 ملايين أسرة مستفيدة، منها 60% في العالم القروي، و5.5 مليون طفل و1.3 مليون مسن مدمجون في هذه الشبكة الجديدة من الإعانات.
كشفت مصادر إعلامية أن الحكومة أضافت “دعماً استثنائياً” مع الدخول المدرسي، استفادت منه 1.8 مليون أسرة و3.2 مليون تلميذ، في وقت لا زال سؤال الكلفة الحقيقية للتعليم العمومي بلا جواب.
كما جرى التذكير بالقفزة في أعداد المؤمنين في التغطية الصحية الأساسية، من 8.6 مليون شخص سنة 2021 إلى 24.3 مليون مع نهاية 2024، رقم ضخم، لكن البنية الصحية التي تستقبلهم ما زالت في وضعية إنعاش.
غير أن الصورة الوردية تخفي خلفها ألغاماً صامتة:
هل تحوّل الدعم إلى حماية حقيقية أم مجرد مساعدات ظرفية تُسكّن الألم ولا تعالج الداء؟
هل 40 مليار درهم كافية لإخراج ملايين الأسر من دوامة الهشاشة، أم أنها مجرد أرقام تلمع في تقارير رسمية؟
كيف يمكن لورش وُصف بأنه “تاريخي” أن يستمر في ظل تحديات التمويل واستخلاص واجبات الاشتراكات، بينما النظام الصحي نفسه يئن تحت ضغط يومي؟
أكثر من 4 ملايين أسرة تستفيد من “أمو-تضامن”، لكن المستشفيات نفسها عاجزة عن استقبال مرضاها، والملفات الطبية تجاوزت 102 ألف ملف يومياً في يوليوز 2025، ارتفاع لا يوازيه ارتفاع في عدد الأطباء ولا في تجهيزات غرف الإنعاش.
ولعل مستشفى الحسن الثاني بأكادير أصدق مثال على هذه المفارقة: آلاف البطاقات تُوزَّع على الورق تحت شعار “التغطية الشاملة”، لكن المرضى في الميدان يواجهون أبواباً مغلقة، أقساماً منهارة، ونقصاً في أبسط الخدمات، إلى درجة أن احتجاجات المواطنين أمام بابه صارت صورة مألوفة أكثر من تقارير الحكومة.
أي معنى للأرقام حين يتحول المستشفى إلى رمز لفشل المنظومة، ويُقال للمريض: عندك بطاقة تأمين… لكن ما عندناش فين تنعس؟
أما نظام المعاشات الخاص بالمهنيين والعمال المستقلين “AMO-TNS”، فيُقدَّم كخطوة لإدماج 4.28 مليون مستفيد، لكنه يظل محكوماً بنفس السؤال: ما الجدوى من بطاقة تأمين في جيب المواطن، إذا كان الدواء مفقوداً والطبيب غائباً؟
في مستهل الاجتماع، عاد رئيس الحكومة ليؤكد على “الحرص الملكي” و”التنزيل الأمثل”. لكن الواقع يفرض سؤالاً آخر: هل نحن أمام ورش اجتماعي وطني يؤسس لعدالة جديدة، أم مجرد عملية تجميل لوجه سياسي مرهق من الانتقادات؟