قضت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بفاس بإلغاء حكم البراءة في ملف البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، ذاك المشروع الذي ابتلع 44 مليار درهم بلا أثر يُذكر على المدرسة العمومية.
حكم جديد يعيد الملف إلى الواجهة، لكن الأسئلة القديمة مازالت معلقة: من بدّد هذه الأموال؟ ومن يحمي “الكبار” من المحاسبة؟

كشفت مصادر إعلامية أن المتابعات انحصرت في موظفين صغار، بينما ظلّ الوزراء والمسؤولون المركزيون بعيدين عن أي مساءلة.

هذا ما دفع محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى التذكير بأن الجمعية وضعت شكاية منذ البداية أمام الوكيل العام بالرباط، بعدما رصدت شبهات هدر وتبديد ممنهج للمال العام.
الغلوسي نفسه جرى الاستماع إليه من طرف الفرقة الوطنية، لكنه شدد على أن “المحاكمات الحالية مجرد تقديم أكباش فداء”، فيما الفاعلون الحقيقيون خارج الحساب.

تقرير المجلس الأعلى للحسابات كان قد وجّه أصابع الاتهام مباشرة لوزارة التربية الوطنية، مؤكداً أن حوالي 2500 مليار سنتيم تبخرت في صفقات مشبوهة بين مكناس والرباط.
مدراء أكاديميات لا يزال بعضهم يمارس مهامه إلى اليوم، في تحدٍّ صريح لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. أكثر من ذلك، وزراء سابقون اعترفوا بوجود “فضائح تستحق السجن”، فيما تحدث برلماني عن “عصابة تتحكم في صفقات التعليم”.

التحقيقات استمعت إلى معظم المسؤولين المركزيين، لكن دائماً باستثناء الوزراء الذين كانوا يملكون القرار النهائي. الاستثناء شمل أيضاً الكاتب العام والمفتش العام للوزارة، الذي أشرف على افتحاص مبتور ركّز على صفقات محددة وتغاضى عن أخرى، وهو الذي جرى استدعاؤه ثلاث مرات ولم يمثل، ليبقى صقور الوزارة بعيدين عن الملف، رغم أن أسماءهم ارتبطت بصفقات البرنامج الاستعجالي.

هذا البرنامج الذي بُشّر به المغاربة كخطة لإنقاذ المدرسة العمومية، انتهى إلى أكبر عملية نزيف للمال العام. الأموال صُرفت، الصفقات وُقّعت، لكن التعليم ازداد انهياراً.
مناصب سامية ومكاتب دراسات ووساطات حزبية، كلها اجتمعت لتنتج ما يشبه “مافيا قطاعية” لا زالت تتحكم في خيوط الوزارة.

اليوم، ومع صدور الحكم الاستئنافي، يظل جوهر السؤال: هل تكفي محاكمة موظفين صغار لإقناع الرأي العام أن العدالة اشتغلت؟ أم أن القضية مجرد مسرحية، تنتهي دائماً بطي الصفحات الثقيلة وترك التاريخ يكتب وحده أن 44 مليار درهم اختفت، بلا أثر، وبلا محاسبة حقيقية؟

المدرسة العمومية التي كان يُفترض أن تستفيد من البرنامج، مازالت مريضة، فيما الجراحون الكبار يراقبون من بعيد… بعيد عن قوس العدالة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version