انتخاب إدريس شحتان لولاية ثانية على رأس جمعية الناشرين لم يكن محطة عابرة. الرجل اختار أن يفتتح ولايته بمواجهة مفتوحة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان برئاسة أمينة بوعياش.

وصف مذكرة المجلس بـ”المتسرعة” ورفض أي محاولة لإشراك المؤثرين أو صانعي المحتوى في مؤسسات التمثيل المهني.

لكن خلف الخطاب يطفو سؤال أعمق هل هو دفاع صادق عن نقاء المهنة؟ أم مجرد تحصين لمواقع الناشرين ضد منافسة منصات رقمية صارت أكثر تأثيراً وجرأة؟ وفي المقابل، هل انفتاح مجلس بوعياش على المؤثرين خطوة نحو دمقرطة الإعلام، أم تفويض عشوائي يشرعن الفوضى الرقمية باسم الحقوق والانفتاح؟

الدولة هنا ليست غائبة بل حاضرة بالمال، غائبة بالرؤية. الدعم العمومي الذي يسعى الناشرون لرفعه من 240 إلى 300 مليون درهم يكشف هشاشة البنية الاقتصادية للصحافة الورقية والإلكترونية.

الحكومة تصرف الأموال لإنعاش مؤسسات متعبة، لكنها لا تضع بوصلة تحدد معايير الدعم ولا تربط التمويل بخدمة المجتمع أو حماية القارئ. وهكذا يتحول الدعم إلى مسكّن يطيل عمر الورق والشاشات معاً، بينما المنصات الرقمية تنمو بلا ضابط.

بوعياش من جهته يدفع نحو إعادة تعريف مفهوم الصحفي المهني. يريد إدماج صانعي المحتوى والمنصات المحلية. لكن غياب معايير صارمة قد يحوّل المبادرة إلى شرعنة للفوضى، بدل أن تكون حماية للقارئ من التضليل.

شحتان بدوره يهاجم المؤثرين ويصفهم بالظاهرة المقلقة، معلناً عن قرارات صارمة في حقهم, لكنه في الوقت ذاته يمد يده نحو خزينة الدولة طلباً لمزيد من الدعم. دفاع عن قداسة المهنة في العلن، ومطالبة بجرعة مالية جديدة في الكواليس.

القارئ المغربي يجد نفسه الحلقة الأضعف محاصر بين صحافة ورقية وإلكترونية تعيش على الدعم، ومنصات رقمية تبحث عن البوز، ومجلس حقوقي يغامر بخلط الأوراق.

ويبقى السؤال معلقاً. من يحمي القارئ من فوضى المحتوى؟ هل الصحافة الورقية والإلكترونية المدعومة قادرة على ذلك؟ هل المنصات المؤثرة مؤهلة لذلك؟ أم أن الدولة، التي تدفع المال بلا رؤية، هي المسؤولة أولاً عن ترك المشهد يتخبط بين فراغ مهني وفوضى رقمية؟

إنها ليست مواجهة بين شحتان وبوعياش فقط. إنها معركة على مصير القارئ، بين سلطة غائبة، ومال عمومي يُصرف بلا بوصلة، ومنصات تجرؤ على قول ما لا تجرؤ عليه الصحافة الورقية والإلكترونية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version