في بلد تُنفق فيه المليارات على العروض والصفقات، يظل حق بسيط مثل منحة 5000 درهم للأساتذة العاملين في الجبال والقرى معلقاً في رفوف البيروقراطية.
وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، خرج في ندوة صحفية بالرباط ليعترف بأن المنحة الموعودة “تعثرت”، لأن الوزارة ما زالت لم تحدد بعد ما هي “المناطق النائية”.
أي مفارقة أعمق من هذه؟ أن يحتاج الوطن إلى لجان ودراسات ليكتشف أن قرى محاصرة بالثلوج وطرقات مقطوعة ومدارس بلا ماء ولا كهرباء هي بالفعل مناطق صعبة.
كشفت مصادر إعلامية أن الوزير تحدث بلغة تقنية مطمئنة، لكن مضمونها فاضح: الاتفاق الموقع في 26 دجنبر 2023 لصرف المنحة قبل نهاية السنة، أصبح رهينة خريطة لم تُرسم بعد. والأساتذة، الذين يواجهون يومياً عزلة الطرقات وقسوة الطبيعة، لا يرون في تصريحات الوزير سوى تكرار لنفس السياسة: تأجيل، تبرير، ووعود معلقة.
وإذا كان الوزير قد استعرض أرقاما “مشرقة” عن 8 ملايين تلميذ و3 ملايين مستفيد من الدعم الاجتماعي، فإنها مجرد ديكور رقمي لا يخفي الخلل البنيوي: العدالة المجالية في التعليم غائبة، والقرى المهمشة ما زالت خارج أولويات السياسات العمومية.
كيف يعقل أن تبقى المدارس الجبلية مجرد “ملفات تقنية” في زمن تُعبّأ فيه الطاقات لبناء ملاعب المونديال ومحطات كبرى؟
الحقيقة أن هذا التعثر ليس مجرد تأخير إداري، بل عنوان لفشل أعمق في الحكامة: حكومة لا تعرف أين توجد مناطقها النائية، كيف لها أن تضع سياسات عادلة للتعليم؟ وكيف يمكنها أن تقنع الأساتذة المرابطين في الأطلس والريف والجنوب الشرقي بأن حقوقهم مضمونة، وهي عاجزة حتى عن رسم حدود جغرافية لمناطق معاناتهم؟
الدرس واضح: حين يُختزل مطلب عادل في منحة بسيطة إلى لغز إداري، فإن الخلل لم يعد في الخريطة، بل في بوصلة القرار السياسي نفسه.