وقف يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يوم الجمعة 19 شتنبر 2025 بمدينة بورتو البرتغالية، متسلّحاً بلغة الأرقام، عارضاً إنجازاً بدا لوهلة كأنه مفخرة وطنية: اثنان وعشرون مليون مغربي داخل دائرة المستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية، وميزانية قارة تضخّها الخزينة العامة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.
صورة رسمتها الكلمات بألوان زاهية، لكنها تخفي سؤالاً ثقيلاً: ماذا تغيّر حقاً في حياة المواطنات والمواطنين؟
كشفت مصادر إعلامية أن الوزير ربط هذه الأرقام بإصلاحات كبرى تمتد من التعليم والصحة إلى مدونة الشغل وقانون الإضراب، مؤكّداً أن الحوار الاجتماعي بات يشتغل بآلية جديدة تُسمّى “السنة الاجتماعية”، لقياس حرارة المطالب قبل فاتح ماي.
غير أن المواطنات في القرى والحواضر لا يحتجن إلى هذه البلاغة بقدر ما يحتجن إلى مدرسة لائقة، أو مستشفى يحفظ الكرامة، أو فرصة شغل تُنهي زمن الانتظار.
بلغت المفارقة ذروتها حين استدعى الوزير كأس العالم 2030 ليقدّمه دليلاً على ترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن.
لكن هل تُبنى الثقة على مدرجات كرة القدم أم على أجنحة المستشفيات؟ وهل تكفي صرخات الجماهير في المونديال لتغطية صرخات الأمهات في طوابير الدعم؟ إن تحويل حدث رياضي إلى صكّ ضمان اجتماعي ليس سوى لعبة لغوية تُسكت التصفيق في الخارج، بينما يظل الداخل غارقاً في الغلاء والبطالة.
وفي المقابل، أضاءت مداخلات المدير العام لمنظمة العمل الدولية ووزير الخارجية البرتغالي مناطق ظلّ أخرى: بطالة الشباب التي تتجاوز 12% عالمياً، هشاشة النساء العاملات، ومستقبل العمل في ظل الذكاء الاصطناعي. أسئلة كبرى تُطرح في أوروبا والعالم، بينما في المغرب تُستعمل لغة الأرقام كغطاء سياسي أكثر منها أداة لتغيير الواقع.
التاريخ لا يحفظ الجداول الرسمية وحدها، بل يحفظ أيضاً تفاصيل الهامش: دموع الأمهات اللواتي يلاحقن دعماً لا يصل، صمت الآباء وهم يودّعون أبناءهم في قوارب الهجرة، وشباب يرفعون شهاداتهم الجامعية في المقاهي بدل قاعات الشغل.
فليقل السكوري ما يشاء في بورتو، لكن المغرب العميق يردّ بلغة أوضح: ثقة لا تُبنى على تصفيق المؤتمرات، بل على عدالة تُعاش في تفاصيل الحياة اليومية.