كشفت مصادر محلية من جماعة بوعروس بإقليم تاونات أن السلطات أقدمت صباح الإثنين على منع مسيرة احتجاجية كان عشرات المواطنين يعتزمون تنظيمها مشياً على الأقدام في اتجاه مدينة فاس.
المشاركون، الذين قدموا من دواوير محاصَرة بالتهميش، لم يحملوا سوى مطالب بسيطة: حق في العيش الكريم، بنية تحتية تليق بالإنسان، وخدمات اجتماعية لا تُشعرهم بأنهم خارج الجغرافيا الوطنية.
غير أن جواب الدولة كان القمع، في أبسط صوره: تطويق المسيرة وإيقافها عند مشارف الجماعة، وكأن الطريق إلى الحقوق مسدود بالحواجز الحديدية.
المفارقة أن هذه المسيرة لم تكن خطوة معزولة، بل جاءت بعد سلسلة من الشكاوى والمراسلات التي رفعها السكان إلى الجهات المسؤولة، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.
سنوات من الصبر والانتظار تحولت إلى غضب صامت، ثم إلى قرار جماعي بمسيرة سلمية تحمل شعار “كرامتنا أولاً”. لكن سرعان ما تحولت هذه الخطوة إلى جريمة غير معلنة، جريمتها الوحيدة أنها طالبت بما يضمنه الدستور نفسه: الحق في الصحة، الحق في التعليم، والحق في العدالة المجالية.
القمع الذي يواجه به المواطنون حين يطالبون بحقوقهم المشروعة لم يعد حدثاً استثنائياً، بل صار قاعدة تتكرر في مدن كبرى كما في قرى صغيرة.
في كل مرة يخرج الناس ليصرخوا ضد غياب المستشفيات، أو ضد المدارس المتهالكة، أو ضد الطرق المقطوعة، يكون الجواب هو ذاته: الطوق الأمني، المنع، ومحاولة إسكات الأصوات.
وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: ما الذي يخيف الدولة في مسيرة سلمية تقطع عشرات الكيلومترات؟ هل الخوف من عدوى الغضب الشعبي، أم من كشف الصورة الحقيقية لمغرب بسرعتين: مغرب يلمع في العواصم العالمية بمشاريع كبرى، ومغرب آخر يزحف على الأقدام بحثاً عن مستشفى أو طريق معبدة؟
بين النص الدستوري الذي يكرّس الحقوق والحريات، والواقع الذي يفرض سياسة العصا، يظهر التناقض العميق الذي يغذي فقدان الثقة.
فحين يتحول مطلب بسيط في “مقومات العيش الكريم” إلى سبب للتدخل الأمني، فإننا لا نكون أمام حماية للنظام العام، بل أمام تأجيل لأزمة ستنفجر في وجه الجميع.
إن منع مسيرة بوعروس ليس مجرد خبر عابر في جريدة، بل علامة على انسداد الأفق في مناطق تُعامل وكأنها خارج الحسابات التنموية.
ولعل أخطر ما في الأمر أن الفقر، وهو الذي أراد أن يسير على قدميه نحو فاس، مُنع حتى من حقه في المشي، وكأن الطريق إلى الكرامة أصبح أطول من كل المسافات.
خاتمة نارية
ما جرى في بوعروس ليس مجرد حادثة محلية، بل مرآة لوضع وطني أعمق: دولة تختار القمع بدل الإصغاء، وحكومة تُراكم الخطابات بدل الإنجاز.
إن منع مسيرة سلمية هو إعلان غير مكتوب بأن الفقر حين يرفع صوته يتحول إلى خصم، وحين يطالب بحقه يصبح تهديداً.
لكن، مهما طال المنع وتكررت الحواجز، سيظل صوت الناس أكبر من أي طوق أمني، لأن الحق في الكرامة لا يُوقف عند مشارف جماعة ولا يُصادر بقرار إداري.