لم تعد فيلا وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، مجرد عقار فخم في حي السويسي الراقي بالرباط.
لقد تحولت إلى مرآة صادمة تكشف كيف يمكن أن يتحوّل القانون من أداة لضبط العدالة الجبائية إلى ثغرة مفتوحة على الامتيازات الطبقية.
المعطيات تؤكد أن الفيلا مساحتها 2887 متر مربع، اقتناها وهبي بقرض عقاري قدره 11 مليون درهم.
غير أنه عند تسجيلها كهبة لزوجته، صرّح بأن قيمتها لا تتجاوز مليون درهم فقط، في وقت تشير تقديرات السوق إلى أن قيمتها تناهز 43 مليون درهم. الفرق صاعق: أكثر من 42 مليون درهم بين القيمة الحقيقية والقيمة المصرّح بها.
هذا الفارق لم يكن مجرد رقم على ورق. ففي لغة الضرائب، واجبات التسجيل والتحفيظ تُحسب بنسبة 1.5% من القيمة المعلنة.
أي أن وهبي دفع نحو 15 ألف درهم فقط، بينما لو تم التصريح بالقيمة الواقعية كان عليه أداء ما يزيد عن 645 ألف درهم. الفارق وحده كافٍ لتجهيز مستشفى محلي أو تمويل مشروع تنموي صغير في منطقة مهمشة.
الأسئلة التي يطرحها المواطن اليوم مُحرجة:
هل يمكن لأي مغربي أن يصرّح بقيمة رمزية لعقاره حين يقرّر منحه كـ”هبة” لزوجته؟ هل الموظف أو المهاجر البسيط قادر على أن يسلك نفس الطريق دون أن ترفض الإدارة ملفه أو تفرض عليه مراجعات وغرامات؟ أم أن الباب يُفتح فقط أمام الوزراء والنافذين؟
إدارة الضرائب، التي لا تتأخر في ملاحقة المواطنين على انتقال ملكية شقق متواضعة أو حتى على فواتير الماء والكهرباء، التزمت صمتاً ثقيلاً.
لا بلاغ رسمي، لا توضيح للرأي العام، ولا إشارة إلى أن الملف خضع لمسطرة عادلة. وكأننا أمام واقع جديد: المسؤولون مرفوع عنهم القلم الضريبي، بينما المواطن البسيط محكوم عليه بالمحاسبة الدقيقة حتى على دراهم معدودة.
القضية إذن أكبر من فيلا وهبي. إنها امتحان مباشر لمبدأ العدالة الضريبية.
فإذا كان التلاعب بالتقدير مفتوحاً في أحياء الأثرياء، فمن حق الأحياء الشعبية أن تتمتع بالمعاملة نفسها.
وإلا فإننا أمام واقع صادم: “الهبة الزوجية” تتحول من مؤسسة قانونية إلى امتياز طبقي، ومن مسطرة عادية إلى بوابة للتهرّب.
وحين يُترك المواطن البسيط عارياً أمام الضرائب بينما يلوذ الوزير بالقانون نفسه ليتفادى الأداء، فإن العدالة الجبائية لم تعد سوى مسرحية… والجمهور فيها مجرد كومبارس يؤدي الضريبة كاملة.