تداولت مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مقطع فيديو يُظهر وفدًا قطريًا خلال زيارة مفاجئة إلى مستشفى “عائشة” بمدينة آسفي، وهو المشروع الذي قُدِّم سنة 2023 كواجهة للشراكة الصحية بين المغرب وقطر، ورُوّج له آنذاك كرمز للأمل والتنمية الصحية في جهة تعاني هشاشة مزمنة.
لكنّ المقطع القصير كشف ما عجزت التقارير الرسمية عن تغطيته: مستشفى جميل من الخارج، يعاني من غياب الأطباء والأطر الصحية بالداخل.
المشهد الذي وثّقته عدسات الوفد الضيف، أظهر أقسامًا فارغة من العنصر البشري الضروري، مما أثار استغراب الزائرين وسخط المواطنين، وأعاد إلى الأذهان المعضلة القديمة الجديدة: مشاريع بملايين الدراهم تنتهي إلى جدران صامتة بلا خدمات، ووعود حكومية لا تصل إلى أسِرّة المرضى.
كشفت مصادر إعلامية أن المستشفى الذي خُصص له دعم قطري سخي، جرى افتتاحه بتغطية إعلامية واسعة، لكن دون أن تُواكبه تعبئة حقيقية للموارد البشرية والتجهيزات الطبية.
فالواقع الصحي بآسفي، كما في مدن كثيرة، لا يتغيّر بطلاء جديد أو بلافتة براقة، بل بإرادة سياسية حقيقية، وفهم عميق لحاجيات المواطنين، وهو ما تغيب عنه الحكومة الحالية.
أما الوزير الوصي على القطاع، فيبدو كضيف عابر على وزارة لم يسبق أن اشتبك يومًا مع همومها أو عرف دروبها.
فلا ماضٍ مهنيّ في الصحة، ولا بصمة إصلاحية تذكر، سوى خطابات خشبية وتدوينات “إنشائية” تنوب عن استراتيجية واضحة.
وهنا يُطرح السؤال نفسه بإلحاح: من يتحمّل مسؤولية اقتراح وزير لا يفقه شيئًا في قطاعه؟ أليس رئيس الحكومة، الذي اختار هذا الاسم وراهَن عليه رغم أن المؤشرات كانت واضحة؟
في بلد تُسند فيه الحقائب الحساسة لأشخاص خارج التخصص، تضيع المحاسبة، ويتحوّل الفشل من مسؤولية فردية إلى منهج حكومي لا يعترف بالكفاءة ولا يعتذر عن القرارات المرتجلة.
وإذا كانت الحكومة قد بشّرتنا ذات يوم بـ”خارطة طريق صحية”، فإنّ هذه الزيارة القطرية كشفت لنا عن خرائط وهمية، ومسؤولين ينشغلون بالشعارات أكثر من انشغالهم بالأرواح التي تُزهق بسبب ضعف المنظومة.
هكذا، لم يعد المشكل في الصور التي صدمت الوفد القطري، بل في الرسائل التي لم تصدم المسؤولين بعد.
لأن من يرى الصحة من وراء زجاج سيارات الموكب، لا يمكنه أن يُدرك حجم الألم داخل قاعات الانتظار.
