في ظرف لا يتجاوز ستة أشهر، انتقلت وزارة الفلاحة من منطق المنع المطلق لذبح إناث الأغنام والماعز، إلى السماح الجزئي بذبح غير الحوامل.
قراران متباينان في الشكل، يختزلان ارتباك السياسة العمومية في تدبير ثروة حيوية، هي الضامن الأول للأمن الغذائي الوطني.
كشفت مصادر إعلامية أن الإحصاء الوطني للقطيع المنجز بين 26 يونيو و11 غشت 2025، كان المبرر الرسمي للتراجع عن قرار 19 مارس 2025.
غير أن هذا التبرير لا يخفي حقيقة أعمق: القرارات تُبنى تحت ضغط السوق وتقلباته أكثر مما تُبنى على رؤية استراتيجية واضحة وبعيدة المدى.
فالوزارة التي منعت بشكل صارم الذبح قبل أشهر قليلة بدعوى حماية القطيع، هي نفسها التي عادت لتخفف القيود بدعوى توفر معطيات جديدة.
وكأن المسألة مجرد لعبة شد الحبل بين العرض والطلب، لا رهانا على الاستدامة وضمان الأمن الغذائي للمغاربة.
الأخطر أن هذه الازدواجية لا تُوزَّع بعدل على الجميع. فبينما يجد كبار المربين في وفرة الأسواق الخارجية ومخازن العلف متنفساً لمصالحهم، يظل الفلاح الصغير رهينة قرارات متقلبة: مرة يُمنع من بيع إناثه بدعوى الحفاظ على القطيع، ومرة يُسمح له بذلك لتصحيح ميزان السوق.
هكذا يتجلى منطق “مغرب بسرعتين”: مغرب تُدار فيه السياسات بمرونة لمصلحة الفاعلين الكبار، ومغرب آخر يتخبط فيه الفلاحون الصغار والمستهلكون في مواجهة قرارات متناقضة.
وبين المنع المطلق والتخفيف الجزئي، يبقى المستهلك البسيط الحلقة الأضعف: أسعار لا تعرف الاستقرار، وأسواق يطبعها الارتباك، وغياب رؤية تجعل من حماية القطيع والأمن الغذائي أولوية وطنية، لا مجرد ورقة ظرفية للتدبير.
فالرهان الحقيقي لا يكمن في تغيير المراسيم بين ليلة وضحاها، بل في صياغة سياسة جريئة تؤسس لتوازن عادل بين حماية الثروة الحيوانية وضمان حقوق الفلاح الصغير والمستهلك، بعيداً عن الحلول الترقيعية التي تفضح أكثر مما تُصلح.
