لم يعد توقيع اتفاقيات الرعاية تفصيلاً عابراً في البطولات الرياضية، بل صار الحدث في حد ذاته. ففي الرباط، ووسط أجواء احتفالية، وُقّعت اتفاقية بين الاتحاد الأفريقي لكرة القدم وشركة “أولماس” عبر علامتها التجارية “سيدي علي” لرعاية كأس أمم أفريقيا 2025، المقرر تنظيمها بالمغرب.

في الصورة الرسمية، كل شيء بدا متكاملاً: مريم بنصالح تقدّم شركتها باعتبارها شريكاً اجتماعياً يواكب الشباب، فوزي لقجع يعلن أن المغرب قادر على تنظيم “أحسن كأس أفريقيا في التاريخ”، وممثل “الكاف” يصرّح بأن مياه “سيدي علي” ستصل إلى كل بيت أفريقي. لكن خلف هذه الشعارات البراقة تختفي أسئلة محرجة لا جواب لها:

ما قيمة هذه الصفقة التي أبرمت خلف الأبواب المغلقة؟

لماذا مُنحت الحصرية لشركة واحدة دون منافسة مفتوحة؟

كيف يمكن التوفيق بين خطاب التنمية الاجتماعية وواقع أسعار المياه المعدنية التي يراها المواطن المغربي مرتفعة؟

المفارقة أن “سيدي علي” التي واجهت قبل سنوات حملة مقاطعة شعبية بسبب غلاء أسعارها، عادت اليوم لتُفرض كالمزوّد الرسمي للقارة. ما رفضه المستهلك المحلي صار اليوم يُسوَّق باعتباره قصة نجاح أفريقية، وكأن كرة القدم تمنح شرعية تجارية جديدة للعلامة.

أما لقجع، فقد استغل المناسبة لتوسيع دائرة الرمزية، رابطاً بين “الكان” والمونديال، وبين عقود الرعاية والقدرة الوطنية على قيادة القارة. لكن الواقع يكشف أن كرة القدم تحوّلت إلى منصة تجارية ضخمة: عقود للمياه، للفنادق، للنقل، للإشهار… فيما يظل الجمهور آخر من يعلم.

الخاتمة النارية:
إن كأس أفريقيا المقبلة لن تكون مجرد بطولة لتتويج منتخب واحد بالكأس، بل اختباراً حقيقياً لمدى قدرة المغرب على التوفيق بين الفرجة الشعبية والشفافية الاقتصادية.

فحين تُمنح العقود الحصرية دون كشف تفاصيلها، وحين تتحول لعبة الفقراء إلى سوق للأغنياء، يصبح السؤال مشروعاً: هل كأس أفريقيا حدث كروي أم بورصة مفتوحة؟
قد يرفع المنتخب الكأس، لكن الكأس الأغلى ستبقى في يد الشركات التي تتقن اللعب في كواليس العقود أكثر من اللعب في الملاعب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version