السياسة عندنا تشبه قطاراً يسير بسرعتين: في المقدمة مقصورات فخمة محجوزة للسياسيين والنقابيين وأصحاب الامتيازات، وفي الخلف عربات مهترئة محشورة فيها الطبقة العاملة والفئات الشعبية.

وما بين الأمام والخلف، لا يصل الصوت ولا تتوزع المنافع.

آخر محطة لهذا القطار المزدوج ظهرت في التراشق بين عبد الإله بنكيران والميلودي مخاريق.
الأول رئيس حكومة سابق بصم ولايته بقرارات موجعة: رفع سن التقاعد، تجميد الحوار الاجتماعي، ضرب الحريات النقابية وتحرير الأسعار.
والثاني زعيم نقابي يتغذى على استعادة تلك الجراح ليُظهر نفسه حامياً للعمال، بينما سجله مليء بالصمت أمام حكومات متعاقبة، وبمساومات جرت خلف الأبواب المغلقة.

مخاريق لم يكتف بفتح ملف قرارات الماضي، بل صوّب سهامه نحو معاش بنكيران “السمين” الذي يناهز 70 ألف درهم دون مساهمة، وسيارة فارهة وحراس شخصيين، بل وحتى محاولة الاستفادة من التغطية الصحية في “كنوبس” بلا أداء.
اتهامات ثقيلة لكنها انتقائية، إذ لم يتجرأ النقابي على فتح ملف معاشات باقي السياسيين والوزراء والبرلمانيين الذين ينهبون من نفس الخزينة.

أما بنكيران، فلا يزال وفياً لأسلوبه: كلمات شعبوية جارحة، ومزايدات لفظية، كأن ذاكرة الناس قصيرة لا تتذكر أن “الإصلاح” الذي وعد به كان مجرد عنوان لتقليص الحقوق وتكريس الأعطاب.

ما يجمع النقابي والسياسي أكبر مما يفرقهما: كلاهما يقتات على جراح الماضي لتغطية حاضر أكثر قسوة. فبنكيران استُعمل كواجهة لإصلاحات موجعة، ومخاريق استُعمل كصمام أمان لاحتواء الشارع.

وبين هذا وذاك، يستمر المغرب بسرعتين: سرعة الامتيازات التي لا تتوقف، وسرعة الانتظار الطويل للعمال والفقراء الذين علقوا في آخر العربة.

حين يقتات النقابي والسياسي على أشباح الأمس، يظل الحاضر بلا دواء، ويُترك المستقبل على سكة معطوبة… قطار يسير بسرعتين، واحدة نحو الامتيازات وأخرى نحو المجهول.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version