من مختبر الأمة إلى شركات الامتياز… قرار وزاري يفتح الباب أمام لوبيات الدواء ويحوّل السيادة الصحية إلى صفقة تجارية.
منذ 1967، شكّل معهد باستور المغربي رمزاً لمناعة الدولة الصحية، مختبراً عمومياً ظلّ يشتغل في الظل لكنه يضمن الحماية من الأوبئة.
إبان كوفيد-19، حين خيم الخوف على العالم، كان المعهد صمّام أمان، يوزع اللقاحات ويمنح الثقة. لكن فجأة، وبقرار إداري صامت، جرى انتزاع صلاحياته ومنحها لشركة خاصة، دون أدنى توضيح للرأي العام.
الفريق الاشتراكي حذّر من خطورة الخطوة، لكن الخطر الحقيقي يتجاوز سؤالاً برلمانياً عابراً: هل تتحول الصحة إلى “كعكة” جديدة تتقاسمها لوبيات الامتياز؟ وهل يُمكن لدولة تتحدث عن “السيادة الصحية” أن تُقصي مختبرها التاريخي وتستبدله بفاعل تجاري يبحث أولاً عن الربح؟
القرار لا يكشف فقط عن ارتباك في تدبير قطاع استراتيجي، بل يفضح توجهاً مقلقاً: خصخصة تدريجية لملفات حساسة، من الماء إلى الدواء، ومن اللقاح إلى المستشفى.
وكأن المواطن لم يعد يُعامل باعتباره حامل حق، بل مجرد “زبون” في سوق مفتوح، يُقرر فيه الخواص متى وكيف يحصل على الخدمة.
الأدهى من ذلك، أن الصمت الذي رافق إقصاء معهد باستور يترك الباب مفتوحاً أمام كل التأويلات: من ضغوط لوبيات صناعة الدواء، إلى صفقات تُبرم خلف الأبواب المغلقة.
فإذا كان المختبر الوطني قد فقد رخصته بصمت، فما الذي سيمنع غداً من فقدان آخر ما تبقى من مقومات السيادة الصحية؟
إنها ليست مجرد قضية لقاحات، بل قضية هوية دولة: هل تختار أن تحمي صحة شعبها كمرفق عمومي استراتيجي، أم أن تسلّم “مفاتيح الحياة” لجيوب الخواص؟ سؤال قد يبدو نظرياً اليوم، لكنه سيتحوّل إلى امتحان قاسٍ عند أول أزمة صحية مقبلة.
