بين برلمان يلوّح بخطر الإقصاء ووزارة تنفي بـ”البيانات الرسمية”، يطفو سؤال أعمق: هل نعيش بداية انتقال السلطة الصحية من مختبر الأمة إلى منصات الصفقات؟
منذ 1967، ظلّ معهد باستور المغربي رمزاً لمناعة البلاد العلمية، مختبراً عمومياً بصم تاريخ الصحة الوطنية، وأثبت حضوره خلال جائحة كوفيد-19 حين لعب دوراً محورياً في استيراد وتوزيع اللقاحات.
غير أن الجدل انفجر حين طُرحت في البرلمان أسئلة عن “سحب تراخيص” من هذه المؤسسة لفائدة شركة خاصة، وهو ما أثار مخاوف من تفويت ملف سيادي للخواص.
وزارة الصحة خرجت سريعاً لنفي هذه الأخبار، مؤكدة أن معهد باستور لا ينتج اللقاحات أصلاً، وأن دوره يقتصر على الاستيراد والتوزيع.
في المقابل، جرى التذكير بمشروع “ماربيو” (Marbio) في بنسليمان، المنصة الصناعية العمومية التي أُنشئت لتأمين إنتاج محلي للقاحات وتغطية 100% من حاجيات البرنامج الوطني للتلقيح بحلول 2027.
وقد رُصدت لهذا المشروع ميزانيات تفوق المليار درهم، مع توقيع عقود توريد لملايين الجرعات، من بينها اللقاح السداسي ولقاح المكورات الرئوية.
لكن هذا التوضيح الرسمي، بدل أن يطوي الجدل، فتح الباب أمام أسئلة جديدة:
إذا كان باستور مؤسسة عمومية مرجعية، فلماذا يُحاصر دوره في البحث والتوزيع دون أن يُمنح شرف التصنيع الوطني؟
هل “ماربيو” فعلاً منصة عمومية صِرفة، أم أن البنية المالية والإدارية تخفي شركاء خواص سيتحكمون في سوق اللقاحات؟
ولماذا يُترك الرأي العام عرضة للتأويلات كل مرة، قبل أن تُسارع الوزارة إلى النفي أو إعادة صياغة القصة؟
في النهاية، القضية ليست مجرد سوء فهم إعلامي، بل مرآة لارتباك في تدبير قطاع حساس.
معهد باستور يتوارى عن الضوء، “ماربيو” يصعد إلى الواجهة، والوزارة تؤكد أن الهدف هو تعزيز السيادة اللقاحية.
غير أن السيادة لا تُبنى بالبيانات وحدها، بل بالشفافية، وبمنح المؤسسات العمومية التاريخية دوراً حقيقياً في المستقبل، لا مجرد ديكور علمي.
ويبقى السؤال معلقاً: هل المغرب بصدد بناء صناعة لقاحات وطنية مستقلة، أم بصدد إعادة توزيع الأدوار بطريقة تُقصي مؤسسة عريقة لصالح مشروع لم يُختبر بعد في الأزمات؟
