انطلقت ببوزنيقة أشغال المؤتمر الوطني الثاني لشبيبة حزب الأصالة والمعاصرة، في محاولة لإعادة تقديم صورة شابة لحزب يشغل موقعاً محورياً داخل التحالف الحكومي.
لكن ما بدا في خطابات الجلسة الافتتاحية أقرب إلى تمرين لغوي أنيق منه إلى مشروع سياسي متكامل.

المهدي بنسعيد، عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة ووزير الثقافة والشباب والتواصل، حرص على التأكيد أن المؤتمر “يتجاوز الصراعات حول المناصب”، وأن الرهان الحقيقي هو وضع التشغيل والصحة والتعليم والكرامة في قلب الأولويات.

عبارة مشذبة توحي برغبة في كسر صورة السياسة كمسابقة على المقاعد، لكنها لا تخفي حقيقة أن الأحزاب المغربية ومنها البام لم تنجُ يوماً من منطق اقتسام الكعكة الحزبية، سواء في البرلمان أو في المجالس المنتخبة أو في الحكومة.

المفارقة هنا صارخة: بنسعيد نفسه يجلس على مقعد وزاري، ومع ذلك يطالب بالقطيعة مع هوس المناصب.
كيف يمكن إقناع الشباب بأن المناصب ليست غاية، بينما الحزب الذي ينتمي إليه يستند إلى المشاركة الحكومية أساساً لضمان النفوذ والتموقع السياسي؟

في مداخلته، شدد الوزير على أن تعبير الشباب عبر المنصات الرقمية “ليس تهديداً بل نداءً صادقاً”.
غير أن تلك الأصوات لم تجد صدى يُذكر في السياسات العمومية الموجهة إليهم، إذ لا تزال أرقام البطالة في صفوف الفئات العمرية الشابة مقلقة، ولا تزال خدمات الصحة والتعليم تترنح تحت ثقل الخصاص البنيوي.

من جانبه، وصف ماجد خلوة، رئيس اللجنة التحضيرية، المؤتمر بأنه “ولادة ثانية”، مؤكداً أن كل الوثائق نوقشت بمسؤولية.
لكن الحديث عن “الولادة الثانية” يثير سؤالاً مشروعاً: إذا كانت الولادة الأولى لم تُثمر نتائج ملموسة، فما الذي يضمن أن تتجاوز الولادة الجديدة منطق الشعارات إلى واقع السياسات؟

الصورة في بوزنيقة كانت متقنة: قاعة ممتلئة، كلمات مطبوعة بالأمل، شعارات عن الكرامة والعدالة الاجتماعية.
غير أن الصورة الخارجية أكثر قسوة: شباب يقفون في طوابير مراكز التشغيل، آخرون يتزاحمون في أقسام مدرسية مكتظة أو مستشفيات منهكة، وآلاف يركبون قوارب الهجرة بحثاً عن أفق.

في هذه المفارقة يتجسد عمق الهوة بين لغة المؤتمرات وواقع الشارع.

النقد هنا لا يتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة وحده، بل بمشهد حزبي عام يحاول إقناع جيل جديد بأنه قادر على الإنصات له، بينما تُثبت التجربة أن القرار السياسي في المغرب ما زال أسير حسابات المواقع أكثر من انشغاله بصناعة بدائل حقيقية.
ويبقى السؤال قائماً: هل تكفي المؤتمرات لإقناع الشباب بأن زمن سباق المناصب قد ولى، أم أن ما يجري هو مجرد إعادة إنتاج للغة وعود لا تجد طريقها إلى الحياة اليومية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version