بقلم: نعيم بوسلهام

أضحى البودكاست في السنوات الأخيرة أحد أهم الوسائط الإعلامية البديلة التي يستقطب عبرها الشباب المغربي معارف جديدة ورؤى نقدية حول قضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع.

بخلاف الإعلام التقليدي، يتيح البودكاست حرية أكبر في اختيار الوقت والموضوع، ويقدم محتوى أكثر جرأة وانفتاحًا، الأمر الذي جعله يتحول من مجرد أداة ترفيهية إلى فضاء لإنتاج الوعي السياسي.

أبوبكر الجامعي: خطاب النخبة وصراحة السلطة والثروة

من أبرز الأسماء التي لفتت الانتباه داخل هذا الفضاء الإعلامي، الصحفي والمؤسس السابق لجريدة الصحيفة أبوبكر الجامعي، الذي قدّمت استضافته في حلقات بودكاستية نوعية فرصة نادرة لتناول قضايا السلطة والثروة في المغرب بجرأة وصراحة.

وقد وجد خطابه النقدي صدى قويًا لدى شريحة واسعة من الشباب، حيث أسهم في رفع منسوب الوعي النقدي تجاه اختلالات البنية السياسية والاقتصادية، خاصة لدى من يقودون اليوم حراك “جيل زد” في شوارع المدن المغربية.

توفيق بوعشرين: تجربة عالقة بين السجن وصوت البودكاست

بدوره، يظل اسم توفيق بوعشرين حاضرًا في النقاش العمومي، سواء عبر كتاباته السابقة أو من خلال استحضار تجاربه الإعلامية التي كثيرًا ما كانت موضوعًا لحلقات بودكاست.

تجربة بوعشرين تكشف عن تداخل المعركة الإعلامية مع المعركة السياسية والحقوقية، إذ تحولت سيرته إلى مادة تحليلية تستفز وعي الشباب حول قضايا حرية التعبير، استقلالية الصحافة، وحدود السلطة.

علاء الدين بنهادي: رؤية دبلوماسية من الداخل

في المقابل، يقدّم الدبلوماسي السابق علاء الدين بنهادي نموذجًا مختلفًا في الفضاء البودكاستي. فبخلفيته الأكاديمية والدبلوماسية، يتبنى خطابًا عقلانيًا وهادئًا، يركز على قراءة الظواهر السياسية المغربية في سياقها الدولي والإقليمي، ما يجعل مساهماته ذات قيمة بالنسبة للشباب الباحث عن فهم معمق ودقيق للتوازنات الجيوسياسية.

حميد المهداوي: الشعبوية التي تلامس نبض الشارع

ولا يمكن إغفال حضور الصحفي حميد المهداوي، الذي رغم ما يصفه البعض بـ”الشعبوية”، فإنه استطاع أن يلامس نبض الشارع بلغة بسيطة قريبة من الناس.

ظهوره في البودكاستات أو حتى عبر منصاته الرقمية جعل منه صوتًا يحاول، أحيانًا بعفوية وأحيانًا بحدة، أن يعبّر عن هموم المواطن البسيط، وهو ما أكسبه قاعدة جماهيرية بين الشباب، حتى لو اختلفت الآراء حول أسلوبه.

بين النخبة والشارع: وظيفة مزدوجة للبودكاست

هذه النماذج تكشف أن البودكاست في المغرب يلعب دورًا مزدوجًا: فمن جهة هو منبر للنخب الفكرية والسياسية لتقديم قراءات معمقة وجريئة، ومن جهة أخرى هو مساحة لأصوات أقرب إلى الشارع تحاول التعبير عن غضبه وأحلامه.

وبين الاثنين، يتشكل وعي سياسي جديد لدى الشباب، يتراوح بين النقد العقلاني والاندفاع العاطفي، لكنه في كل الأحوال يساهم في إعادة رسم ملامح النقاش العمومي.

لقد أثبتت التجارب المتنوعة – من الجامعي وبوعشرين وبنهادي إلى المهداوي – أن البودكاست لم يعد مجرد محتوى رقمي عابر، بل صار أداة مركزية في بناء الوعي السياسي لدى الشباب المغربي.

ومع استمرار انفتاح هذا الجيل على وسائط بديلة، يبدو أن البودكاست مرشح لأن يكون مدرسة سياسية غير رسمية، تشارك في صياغة خطاب جديد يربط بين النقد الجذري والتعبير الشعبي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version