في ندوة سياسية انعقدت اليوم، خرجت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني ورئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، بخطاب مطوّل اتسم بمزيج من المكاشفة والتبرير، لتضع نفسها أمام سؤال صعب: هل كان حديثها بداية اعتراف صريح بأعطاب المنظومة، أم مجرد محاولة لتغطية الفشل بخطاب “الصراحة”؟

المنصوري أقرت بوضوح أن المغرب يعيش خصاصاً هيكلياً يصل إلى ثلاثين ألف طبيب، مؤكدة أنه من المستحيل معالجة هذا العجز لا في عام واحد ولا حتى في ولاية حكومية كاملة.
وقالت بالحرف: “لم أكذب يوماً على المغاربة، ولن أعدهم بما لا يمكن تحقيقه”.
ورغم أنها اعتبرت أن تراكمات عقود مضت منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي هي السبب في الوضع الراهن، فإن هذا التبرير بدا وكأنه تهرّب من المسؤولية السياسية المباشرة.

الخطاب تجاوز حدود قطاع الصحة ليشمل المطالب الجوهرية التي يرفعها الشباب المغربي: الحق في التعليم والحق في الكرامة إلى جانب الحق في العلاج.
وهو اعتراف صريح بأن الأزمة اجتماعية شاملة، تمسّ أساس العيش الكريم، ولا تختزل في جانب تقني أو قطاعي.

الجزء الأكثر إثارة للجدل كان حين توجهت المنصوري إلى الشباب الرافض للأحزاب بقولها: “إذا لم تعجبكم الأحزاب السياسية، فأين هو البديل؟ هل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بلا أحزاب، بلا انتخابات، بلا حكومة؟”.
هنا، بدا الخطاب دفاعياً، ينقل النقاش من سؤال الإصلاح والمحاسبة إلى سؤال البدائل المستحيلة، وكأن المطلوب من الشباب ليس محاسبة المسؤولين وإنما ابتكار نظام سياسي جديد من العدم.

المنصوري ذكرت مؤسسات الرقابة، من المفتشيات الداخلية إلى المجلس الأعلى للحسابات، وأكدت استعدادها للخضوع لأي مساءلة.
غير أن الفجوة الكبرى ظلت حاضرة: المجلس الأعلى للحسابات يمارس رقابة تقنية على الأرقام، لكنه لا يترجم بالضرورة مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” الذي ينص عليه الدستور.
وهنا يكمن التناقض: الاعتراف بالفشل لا يُلغي الحاجة إلى محاسبة سياسية واضحة.

خطاب المنصوري حمل رسائل متعددة: إلى الشباب، بأن الاحتجاج مسموع لكن لا بديل عن الأحزاب؛ إلى الرأي العام، بأن الحكومة تعترف بالأزمة لكنها لم تكذب؛ وإلى المؤسسة الملكية، بأن الولاء للوطن والملكية يظل القاسم المشترك مهما اشتدت الخلافات.

في النهاية، كشف خطاب المنصوري عن مأزق السياسة المغربية: صراحة جزئية تعترف بالمشاكل، لكنها تُلقي باللوم على الماضي وتتحاشى المحاسبة في الحاضر.
لقد بدا الخطاب وكأنه يقدم نصف الحقيقة: اعتراف بالأزمة من دون تحميل المسؤولية لمن يديرونها اليوم.
ويبقى السؤال المركزي معلقاً: هل تكفي هذه اللغة لإقناع جيل يطالب بالصحة والتعليم والكرامة، أم أن المغرب في حاجة إلى ما هو أبعد من الصراحة… إلى إرادة حقيقية لربط المسؤولية بالمحاسبة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version