المغرب يعيش على إيقاع مظاهرات متواصلة تكشف عمق الشرخ بين الشارع والمؤسسات.
ما بدأ بمطالب اجتماعية في الصحة والتعليم والشغل تحول سريعاً إلى رسالة سياسية صريحة ضد عجز الحكومة وضعف المعارضة.
في الساحات العامة، كما في النقاش الرقمي، تتردد أصوات تؤكد أن الخلل لم يعد مرتبطاً بتدبير قطاع بعينه، بل بالبنية السياسية كلها.

بلاغ رئاسة الحكومة، الصادر عقب اجتماع هيئة الأغلبية، لم ينجح في إقناع الرأي العام.
فقد بدا وكأنه محاولة لشراء الوقت أكثر من كونه جواباً عن أزمة. الخطاب أعاد نفس مفردات الالتزام والإصلاح، لكنه تجنّب تقديم خطة عملية عاجلة.
هكذا تكرّس الانطباع بأن المؤسسات تشتغل بمنطق رد الفعل لا بمنطق الاستباق.

على خط موازٍ، جاءت خرجة فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة وعضو قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، لتثير جدلاً واسعاً. تصريحها بأن المغرب لم ينجح بالكامل في سياساته العمومية اعتُبر بمثابة اعتراف نادر من قلب الأغلبية بوجود إخفاقات بنيوية. لكنه اعتراف غير مكتمل، لأنه لم يُرفق بإرادة واضحة للإصلاح أو مسار بديل، مما زاد من منسوب الشكوك في جدية الخطاب السياسي برمته.

هذه الصورة المركبة ــ مظاهرات غاضبة، بيانات رسمية باهتة، تصريحات وزراء مترددة ترسم ملامح أزمة ثقة شاملة.
الأحزاب الحاكمة تبدو عاجزة عن ابتكار حلول، والمعارضة غارقة في الشعارات دون بدائل واقعية، بينما البرلمان يكتفي بأدوار شكلية. الشارع يصرخ، والسياسة تصمت أو تبرر.

هنا يطرح سؤال جوهري نفسه: من يعيد ترتيب الأوراق؟ كثير من المحللين يرون أن التدخل الملكي العاجل صار ضرورة وطنية، ليس في شكل تعديل جزئي، بل عبر تشكيل حكومة تكنوقراطية مؤقتة بتركيبة ضيقة تضع الوزارات الأساسية في صلب أولوياتها: الداخلية لضمان السلم العام، الصحة لإعادة الاعتبار للحق في العلاج، التعليم لإنقاذ المدرسة العمومية، والشغل لفتح أفق أمام الشباب.
حكومة إنقاذ وطني لا تشتغل بمنطق الحملات الانتخابية، بل وفق برنامج محدد يهيئ البلاد لعبور المرحلة إلى انتخابات جديدة.

المغرب، إذن، أمام مفترق طرق مصيري. الاستمرار في سياسة التبرير قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي أكبر، فيما الخطوة الجريئة المتمثلة في تدخل ملكي لتشكيل حكومة إنقاذ قد تكون المدخل لإعادة بناء الثقة وترميم العقد الاجتماعي.
الخيار اليوم ليس بين يسار أو يمين، بل بين الانسداد أو إعادة الأمل.

حين يصمت السياسيون، لا يبقى إلا صوت الشارع والملك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version