الرصاص يدوّي في الشارع المغربي، والحكومة تصمت أمام غضب جيل جديد

لم يعد المشهد في المغرب مجرّد احتجاجات شبابية عابرة، بل تحوّل إلى ما يشبه زلزالاً اجتماعياً يهدد استقرار البلاد.
التخريب والنهب الذي شهدته مدن إنزكان، آيت عميرة، وجدة، بني ملال، وتمارة، لم يكن سوى الوجه العنيف لغضب تراكم سنوات، فيما عجزت الدولة عن احتوائه بالآليات الكلاسيكية للحوار أو بخطابات التهدئة.

الليلة الماضية وُصفت بـ”السوداء”، بعدما تحولت بعض الوقفات إلى مواجهات مباشرة مع قوات الأمن، وتعرضت ممتلكات عامة وخاصة للإتلاف، ما وضع السلطات أمام سؤال وجودي: هل نترك الشارع يفرض منطقه، أم نلجأ إلى إعلان حالة الطوارئ كخيار استراتيجي لوقف الانزلاق؟

مدينة سلا لم تكن استثناء من هذه الموجة، بل تحولت إلى واحدة من أبرز بؤر الغضب.
الأحياء الشعبية كالعيايدة، بطانة، وسيدي موسى عاشت ليالي متوترة، حيث خرج مئات الشباب إلى الشوارع هاتفين بشعارات اجتماعية، قبل أن تنقلب بعض الوقفات إلى أعمال عنف وتخريب للمحلات التجارية والسيارات الخاصة.
ساكنة المدينة تحدّثت عن ليلة بيضاء، ارتفعت فيها أصوات الإنذارات وارتباك الأمن، فيما وُجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة التي تركت الهشاشة الاجتماعية تتفاقم في مدينة يفوق سكانها المليون نسمة، دون حلول تنموية حقيقية.
التخريب والنهب الذي مسّ المحلات لم يكن مجرد انفلات، بل رسالة صريحة بأن الاحتقان بلغ نقطة اللاعودة.

الأخطر من ذلك، أن الأحداث امتدت إلى مواجهات مباشرة مع مؤسسات الدولة.
ففي بلدة القليعة التابعة لمحافظة إنزكان، اضطرت عناصر الدرك الملكي إلى استعمال السلاح الوظيفي، في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، لصدّ محاولة هجوم واقتحام لمركز الدرك بغرض الاستيلاء على الذخيرة والعتاد.
هذه الواقعة أسفرت عن مقتل شخصين متأثرين بإصابتهما بالرصاص، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
إنها لحظة صادمة تعكس حجم الانزلاق، وتؤكد أن البلاد دخلت مرحلة لا يمكن السيطرة عليها بخطاب التهدئة فقط.

الشارع المغربي، الذي كان لعقود يكتفي بالمطالبة التدريجية، يبدو اليوم خارج السيطرة، يقوده جيل جديد لا يعرف الوساطات الحزبية ولا النقابية، ويعتبر أن المؤسسات القائمة لم تعد قادرة على تمثيله.
هذا الجيل الذي أطلق عليه “جيل Z”، يستند إلى وسائل رقمية قادرة على التعبئة في لحظات، من دون قيادة مركزية أو سقف تفاوضي واضح.

الحكومة، التي وُضعت في قلب العاصفة، بدت كأنها غائبة عن المشهد.
بلاغاتها المتكررة لم تنجح في تهدئة الأوضاع، وتصريحات وزرائها أبانت عن ضعف في القراءة الاستباقية.
المسؤولية لم تعد سياسية فقط، بل تحوّلت إلى سؤال أمني واجتماعي في آن واحد: كيف نحمي الدولة من الفوضى، وكيف نعيد للمواطن الثقة في مؤسساتها؟

قانونياً، يتيح الدستور المغربي إمكانية إعلان حالة الطوارئ لحماية النظام العام والأمن الداخلي.
وهو خيار استثنائي، لكنه يظل اليوم مطروحاً بقوة فاستمرار موجة التخريب قد يجر البلاد إلى سيناريوهات غير محمودة: انهيار الاستقرار الاقتصادي، تعطيل حركة الاستثمار، وضرب صورة المغرب في الخارج، خصوصاً وهو مقبل على مواعيد كبرى مثل كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030.

غير أن إعلان الطوارئ وحده لن يكون كافياً فالأمن قد ينجح في تطويق الشارع، لكن أصل الأزمة أبعد من ذلك بكثير: سياسات عمومية فاشلة في التعليم والصحة والتشغيل، اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتضخم ثروات نخب سياسية واقتصادية في مقابل تآكل الطبقات الوسطى.
الطوارئ، في أحسن الأحوال، قد تضمن لحظة استراحة، لكنها لن تفتح أبواب الحلول.

المغرب يقف اليوم عند مفترق طرق خطير: إما أن يختار طريق القمع وحده، فيخسر الثقة الشعبية نهائياً، أو أن يختار “الطوارئ الإصلاحية” بقرارات شجاعة غير مسبوقة، تعيد توزيع الثروة، تحارب الفساد، وتمنح الشباب أملاً حقيقياً في المستقبل.

إن التاريخ لا يرحم، والشارع لا ينسى.
وما حدث في هاته الايام ليس سوى إنذار أولي.
إذا لم يتحرك صانع القرار بسرعة، فقد يجد نفسه أمام كرة ثلج أكبر، لا تنفع معها لا الطوارئ الأمنية ولا البلاغات الحكومية. المغرب بحاجة إلى صدمة إصلاحية جذرية، قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى فصل جديد من الفوضى.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version