في خضم موجة احتجاجات غير مسبوقة يقودها شباب ما بات يُعرف بـ”جيل Z 212″، خرجت الحركة، بعد ستة أيام من التعبئة الميدانية، بملف مطلبي موجّه مباشرة إلى المؤسسة الملكية، واضعة بذلك سقفاً جديداً في علاقة الشارع بالسياسة.
الوثيقة التي أعلنت عنها الحركة ليل أمس حملت بين طياتها مطالب صريحة، جريئة، ومؤسَّسة على فصول من الدستور، على رأسها الدعوة إلى إقالة حكومة عزيز أخنوش، باعتبارها “فشلت في حماية القدرة الشرائية وضمان العدالة الاجتماعية”.

كشفت الوثيقة أن المطالبة ليست فقط بإعفاء الحكومة عبر الفصل 47 من الدستور، بل كذلك بإحداث سابقة سياسية غير معهودة: “جلسة وطنية علنية للمساءلة”، تُعقد برئاسة الملك بصفته الضامن لوحدة الأمة، ويُستجوب فيها الوزراء أمام أنظار الشعب، على قاعدة الأدلة والوثائق التي تتعلق بالفساد وتبديد المال العام.
الفكرة وُصفت بـ”الغريبة” من طرف بعض المتتبعين، لكنها في نظر الحركة مدخل لإعادة الثقة بين المجتمع ومؤسساته عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية.

الملف المطلبي للحركة لم يكتف بالدعوة إلى المساءلة، بل ذهب أبعد من ذلك، مطالباً بإطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة كل من ثبت تورطه في الفساد والإثراء غير المشروع، “كيفما كان موقعه”. وهو استناد مباشر للفصل الأول من الدستور، الذي يجعل المسؤولية ملازمة للمحاسبة.

ومن بين البنود التي قد تثير جدلاً واسعاً، مطالبة الحركة بحل الأحزاب السياسية التي يثبت تورطها في الفساد أو تواطؤها مع شبكات الريع، بالاستناد إلى الفصل السابع من الدستور الذي يربط وجود الأحزاب بأدوارها في تأطير المواطنين وخدمة المصلحة العامة.

ولم تغفل الحركة مطلب المساواة وعدم التمييز، معتبرة أن الشباب المغربي يستحق فرصاً متكافئة في التعليم، الصحة، والشغل، بعيداً عن المحسوبية والزبونية، مستندة إلى الفصل 13 من الدستور.

أما في ما يخص الحريات، فقد طالبت بوقف التضييق على النشطاء والطلبة وضمان حرية التعبير باعتبارها “حقاً أصيلاً”، استناداً إلى الفصل 19 من الدستور، داعية في الآن ذاته إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات السلمية. غير أن الوثيقة ميزت بوضوح بين هؤلاء وبين من تورط في أعمال تخريب أو اعتداءات على الممتلكات، حيث شددت على أن المسؤولية الفردية قائمة، وأن التظاهر السلمي لا يمكن أن يُختزل في الانزلاق إلى العنف.

هذه المطالب تضع المغرب أمام لحظة فارقة: هل يمكن أن تتحول احتجاجات شبابية انطلقت من قضايا الصحة والتعليم والفساد، إلى مدخل لإعادة صياغة العلاقة بين الشارع والدولة على قاعدة المحاسبة الدستورية؟
الجواب، كما يبدو، لم يعد في يد الحكومة التي تواجه أزمة ثقة حادة، بل في يد المؤسسة الملكية التي يخاطبها الشارع مباشرة، مستحضراً فصول الدستور كسلاح .شرعي جديد في معركة المطالب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version