عبد اللطيف وهبي… الوزير الذي يبتسم في وجه الغضب.
حين يتحول الاحتجاج إلى دليل ولاءٍ للنظام لا علامة حياةٍ للديمقراطية.
في لحظةٍ من الصراحة النادرة، قال وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، إن بلاده عرفت سنة 2022 ما يزيد عن 3000 مظاهرة في السنة، مضيفًا بابتسامةٍ لا تخلو من المفارقة:
“اليوم وصلنا إلى أكثر من 5000 مظاهرة سنوياً، منها 65 مظاهرة ضدي شخصياً. لا أدري هل أشكرهم أم ألومهم، لكن في جميع الأحوال ما زلت وزيراً… وما زالوا يتظاهرون.”
جملة قصيرة، لكنها تختصر فلسفة حكمٍ كاملة.
فوهبي، وهو أحد أكثر الوزراء جرأةً وتهورًا في لغته، لا يتحدث هنا كمسؤولٍ محاصرٍ بالاحتجاج، بل كسلطةٍ مطمئنةٍ إلى أن الغضب في المغرب لم يعد تهديداً… بل إيقاعاً يومياً مألوفاً.
تصريح الوزير ليس انزلاقًا لغويًا، بل عقيدة سياسية:
الاحتجاج جزءٌ من الديكور الديمقراطي، الصرخة مسموح بها ما دامت لا تُغيّر شيئًا، والغضب مقبولٌ طالما أنه لا يملك عنوانًا ولا زعيمًا.
بهذه الطمأنينة الباردة، يقدّم وهبي تعريفًا مقلوبًا للحيوية السياسية:
بلدٌ يُقاس فيه الاستقرار بعدد المظاهرات لا بعدد الإصلاحات.
وحكومةٌ ترى في كثرة الاعتصامات علامةً على “التنفس”، لا على الاختناق المزمن.
في المغرب، أصبح الاحتجاجُ دورةً بيولوجيةً أكثر منه فعلاً سياسياً.
الناس يخرجون إلى الشارع كي يذكّروا أنفسهم بأنهم ما زالوا موجودين، والدولة تصغي إليهم كي تتأكد أنهم ما زالوا يتكلمون.
النتيجة: استقرارٌ يتغذّى من الضجيج، لا من العدالة.
عبد اللطيف وهبي ليس رجل إدارةٍ هادئاً، بل محامٍ سابق يتقن فنَّ المرافعة حتى في السياسة.
يتحدث ببلاغةٍ قانونيةٍ تُقنع السامع وتُخفي الوقائع.
في كل ظهورٍ له، يتبدّى كممثلٍ بارع في محكمةٍ بلا قضاة، يجيد تحويل النقد إلى طرافة، والاتهام إلى نكتة، والمسؤولية إلى رأيٍ شخصي.
لكن وراء هذه الكاريزما اللغوية، يكمن مأزقٌ أعمق:
وزيرُ العدل في بلدٍ لم يعد يحتجّ من أجل العدالة، بل من أجل أن يشعر بوجودها على الأقل.
حين يقول وهبي إن “الحركية السياسية تطمئن الدولة”،
فهو يُعلن، من حيث لا يدري، موت السياسة نفسها.
فالدولة التي تحتاج إلى الغضب كي تطمئن،
هي دولة فقدت القدرة على الإصغاء.
وفي نهاية المطاف، يبتسم وهبي في وجه الغضب،
لا لأنه يؤمن بالديمقراطية،
بل لأنه يعرف أن الاحتجاج في المغرب لم يعُد لغة مقاومة… بل طقس طمأنينة.
