لم يكن تصريح الميلودي موخارق، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، مجرّد تفاعلٍ نقابيٍّ عابر مع موجة احتجاجٍ شبابي، بل مؤشّرًا على لحظةٍ فارقة في علاقة النقابات بالمجتمع المغربي المتحوّل.
فقد بدا الرجل، وهو يتحدث في المؤتمر الرابع عشر للجامعة الوطنية للماء الصالح للشرب، كمن يحاول إعادة اكتشاف الشارع الذي غاب عنه طويلاً، بعد أن صارت القيادة النقابية تُخاطب جيلاً لا يتكلّم لغتها ولا ينتظر وساطتها.

قال موخارق إن الاتحاد “تضامن منذ اللحظة الأولى مع مطالب هذا الشباب”، مؤكّدًا أن “ما يطلبه جيل Z هو نفسه ما نطالب به كنقابة: الحق في الصحة، والتعليم، والشغل، والعدالة الاجتماعية.”
كلامٌ أنيق في شكله، لكنه يفتح الباب على سؤالٍ أعمق: لماذا احتاجت النقابات إلى جيلٍ رقميٍّ غاضب حتى تتذكّر دورها الطبيعي؟

كشفت مصادر إعلامية أن موخارق مدّ يده لهؤلاء الشباب قائلاً: “نحن في خدمتهم، وإذا أرادوا أن نكون وسطاء أو يفتحوا مقراتنا فليتفضلوا.”
دعوةٌ تبدو في ظاهرها خطوةً نحو الانفتاح، لكنها تكشف من جهةٍ أخرى عن وعيٍ متأخر بطبيعة التحوّل الاجتماعي الذي أحدثه هذا الجيل.
جيلٌ لا يبحث عن مقرٍّ جديد، بل عن ثقةٍ جديدة، جيلٌ خرج من رحم اللايقين، ويدرك أن النقابات التي كانت تصنع التاريخ صارت اليوم تُصنع على هامشه.

أشاد موخارق بالخطاب الملكي الأخير الذي تناول بتفصيلٍ دقيق قضايا الصحة والتعليم والشغل، داعيًا الحكومة إلى “برنامج استعجالي للنهوض بالمستشفيات العمومية”، مستشهداً بتجربة مستشفى الحسن الثاني بأكادير الذي تغيّر في ظرف أسبوعين.
غير أن المفارقة تبقى صارخة: إذا كانت الإرادة كفيلة بإصلاح مستشفى في خمسة عشر يومًا، فكم يلزم من الوقت لإصلاح منظومةٍ نقابيةٍ نائمة منذ عقود؟

لقد تحوّل الاتحاد المغربي للشغل، ومعه عدد من المركزيات النقابية، من صوتٍ صادحٍ باسم الطبقة العاملة إلى جهازٍ إداريٍّ يُعلّق على الأزمات أكثر مما يشارك في حلّها.
وها هو جيل Z، بجسارته الرقمية واحتجاجاته السلمية، يذكّرها بأن زمن الوصاية قد انتهى، وأن التمثيلية لا تُمنح… بل تُنتزع.

ربما كان موخارق صادقًا في رغبته في مدّ الجسور مع الجيل الجديد، لكن الثقة لا تُستعاد بخطابٍ عاطفي، بل بمراجعةٍ نقدية عميقة لدور النقابة نفسها.
فجيل الغضب لا ينتظر وسطاء، بل ينتظر مؤسساتٍ تسمع قبل أن تتكلم، وتفعل قبل أن تعِد.

في النهاية، يبدو أن الاتحاد المغربي للشغل يستيقظ اليوم على وقع الحقيقة التي حاول تجاهلها لسنوات:
أن الشارع تغيّر، وأن النقابة إن لم تتجدّد فكراً وممارسة، ستبقى خارج التاريخ الذي يُكتب الآن بلغةٍ رقميةٍ وجرأةٍ شبابيةٍ لا تعرف المجاملة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version