بين خارطة الطريق التي لم تبدأ بعد ومدارس الريادة التي لم تصل بعد، يقف البرلمان أمام سؤال واحد: من يُصلح من؟

لم تعد المدرسة المغربية تحتاج إلى شعار جديد، بل إلى ضمير قديم.
فبين “خارطة الطريق” التي رُسمت على الورق، و”مدارس الريادة” التي وُلدت في البلاغات، وجد وزير التربية الوطنية محمد سعد برادة نفسه هذا الأسبوع أمام برلمانٍ غاضبٍ يطالبه بحصيلة عامٍ من الشعارات التي لم تغادر المكاتب بعد.

خلال جلسة الأسئلة الشفوية، تحوّلت قاعة البرلمان إلى ما يشبه محكمة تربوية مفتوحة، حيث تناوب نواب الأغلبية والمعارضة على تقديم حصيلةٍ مضادة لما تروّج له الوزارة.
فالإصلاح، كما قالوا، لا يزال في طور التصريحات، بينما الواقع التربوي يزداد هشاشة وتفاوتًا.

تعددت الأصوات وتوحّدت الشكوى: “مدارس الريادة”، التي قُدّمت كنموذجٍ للتعليم العصري، تشتغل في كثير من المناطق دون معدات رقمية، ودون مناهج خاصة، بل حتى دون ربطٍ بالإنترنت أو قاعاتٍ مجهزة.
النائب خالد حاتمي (الأصالة والمعاصرة) حيا النية الإصلاحية المعلنة، لكنه عبّر عن قلقه من “ريادةٍ ورقية” لم تخرج بعد من المكاتب المكيفة، فيما اعتبرت النائبة وسيلة الساحلي أن الدخول المدرسي في المغرب أصبح “حدثًا متكرر الأعطال”، يُدرّس الفوضى بدل الإبداع.

ومن القرى البعيدة، جاءت شهادة النائبة خديجة بوكرن لتكشف الوجه القاسي للمدرسة المغربية: مؤسسات بلا ماء ولا كهرباء، تلاميذ يدرسون خلف جدرانٍ متهالكة، وفتياتٌ قرويات يقطعن الكيلومترات في غياب النقل المدرسي والداخليات.
وأضافت أن “المدرسة العمومية لا تعترف بوجود الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة”، إذ تفتقر لأبسط شروط الولوج والدعم النفسي.

أما نور الدين مضيان، فاختصر المشهد في عبارةٍ واحدة: “المغرب يسير بسرعتين؛ تعليمٌ حضريٌّ رقميٌّ مدعوم، وآخر قرويٌّ يُدرّس المعلوميات دون حواسيب”.
وانتقد ظروف النقل المدرسي الذي “ينقل التلاميذ كما تُنقل البضائع”، في سيارات تحمل ضعف طاقتها القانونية.

النائب محمد هيشامي تحدث عن “مأساةٍ صامتة” في المناطق الجبلية، حيث المدارس بلا أبواب ولا نوافذ ولا حراس، بينما الوزارة تتحدث عن “التأهيل والتوسعة”. وحتى من داخل الأغلبية، عبّر النائب حاتم بن رقية (التجمع الوطني للأحرار) عن استغرابه من الاكتظاظ المهول في التعليم الأولي، مطالبًا بتعميم مدارس الرياضة بدل حصرها في مناطق محدودة.

انتهت الجلسة كما بدأت:
أسئلة كثيرة، وإجابات غائبة، ووزيرٌ يرفع شعار “الريادة” في بلدٍ لا تزال فيه أقسام من القرن الماضي تُدرّس تلاميذ المستقبل.

وبين “الخارطة” التي ضاعت ملامحها و”الطريق” التي لم تبدأ بعد، يبقى السؤال الأعمق معلّقًا:
هل نحتاج إلى إصلاحٍ جديد، أم إلى شجاعة الاعتراف بأن المدرسة فقدت بوصلتها قبل أن تبدأ رحلتها؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version