شرعت المديرية العامة للضرائب في واحدة من أوسع حملات المراقبة المالية بالمغرب، حملة تُعيد إلى الواجهة سؤالًا ظلّ معلّقًا في الوعي الجماعي: هل المساواة أمام الضريبة مبدأ مطبّق… أم شعار يُرفع؟
فبينما تمتد أعين المراقبة إلى الحسابات البنكية للمواطنين وتتبع نفقاتهم ومعاملاتهم العقارية، ما زالت فئات أخرى في منأى عن الضوء، تتحرك بين امتيازاتٍ وإعفاءاتٍ لا يطالها التفتيش ولا السؤال.
هكذا، تتحوّل العدالة الجبائية من فكرة نبيلة إلى اختبار حقيقي لمدى استعداد الدولة لأن تُحاسِب الجميع، لا فقط من يسهل الوصول إليهم.

كشفت مصادر إعلامية مطّلعة أن المديرية العامة للضرائب وجّهت في الأسابيع الأخيرة آلاف الإشعارات إلى ملزمين لم يكن لهم أي رقم تعريف ضريبي موحّد (ICE)، بعدما رُصدت في حساباتهم البنكية تدفقات مالية غير مبرّرة، بعضها ارتبط بتحويلات خارجية، وأخرى بعمليات شراء عقارات وسيارات فاخرة.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن المراقبة الجديدة تستند إلى مقتضيات المدونة العامة للضرائب التي تُخوّل للمديرية فحص مجموع الوضعية الجبائية للأشخاص الذاتيين، مع مطالبتهم بتبرير مصادر أموالهم خلال الفترات غير المتقادمة.

الإجراءات الحالية، التي وُصفت بأنها خطوة نحو “عدالة جبائية شاملة”، شملت لأول مرة فئات مهنية لم تكن خاضعة سابقًا لأي تتبّع مباشر، مثل صُنّاع المحتوى الرقمي، وتجار السيارات المستعملة، ومروّجي العقارات ومستحضرات التجميل.
ويُلزم القانون هؤلاء بتقديم تبريرات موثّقة حول مداخيلهم ونفقاتهم الشخصية، في حين يمنح للمراقبين صلاحية منح رقم تعريف ضريبي تلقائيًا لكل شخص لا يتوفر عليه، انطلاقًا من عنوانه الوارد في بطاقة التعريف الوطنية.

لكن خلف هذه الصرامة الإجرائية، يتصاعد في الشارع سؤال لا يقلّ عمقًا:
لماذا تُسلَّط العدالة الجبائية فقط على الطبقة المتوسطة والصغرى، بينما تغيب المراقبة عن فئاتٍ تمتلك نفوذًا وموارد أكبر؟
فالمغاربة الذين تُفحص حساباتهم اليوم، يتساءلون عن الحسابات الأخرى التي لا تُفتح، وعن الثروات التي لا تُسأل من أين جاءت ولا كيف تضاعفت.

ويرى مراقبون أن الدولة تخوض بهذه الحملة محاولةً لإعادة بناء الثقة في المنظومة الضريبية، بعد عقودٍ من غياب التوازن بين المداخيل والمساءلة.
لكن هذه الثقة لن تُستعاد إلا حين تكتمل المساواة أمام القانون، لا بالتصريحات والبلاغات، بل بتطبيق المبدأ ذاته على الجميع: من المواطن البسيط إلى صاحب القرار.

إن العدالة الجبائية لا تُقاس بعدد الإشعارات الموجهة ولا بحجم الغرامات المستخلصة، بل بمدى شمولها لكل من يدور في فلك الثروة، كيفما كان موقعه أو لقبه.
وفي النهاية، يبقى السؤال قائمًا كمرآةٍ في وجه الدولة والمجتمع معًا:
من أين لك هذا؟ ولمن يُطرح حقًا؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version