كشفت مصادر إعلامية أن وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية نادية فتاح خرجت من صمتها المالي لتطلّ من على قناة سكاي نيوز عربية، متحدثةً بتفصيلٍ لافتٍ عن أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2026، قبل أن يُعرض على المجلس الوزاري الذي يترأسه جلالة الملك.
خطوةٌ بدت في ظاهرها تواصلاً اقتصادياً عادياً، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى جدلٍ سياسيٍ ودستوريٍ واسع، بعدما وُصفت بأنها “تسريب للأجندة الحكومية عبر الأثير”، في سابقةٍ غير مألوفة تطرح سؤالاً حول حدود اللياقة المؤسسية والتواصل الرسمي في زمن الإعلام العابر للحدود.
وبحسب المصادر ذاتها، أثار هذا الظهور استياءً داخل الأوساط السياسية، خصوصاً بعد أن اعتبر عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، أن الوزيرة “تجاوزت حدود المسؤولية السياسية والدستورية”، متسائلاً عن معنى أن “تُعلن من قناة أجنبية تفاصيل مشروعٍ لم يُعرض بعد على المجلس الوزاري ولا على البرلمان”.
وقال بوانو في تدوينةٍ شديدة اللهجة إن ما قامت به فتاح “قلة ذوقٍ سياسي وسوء تقديرٍ لمقام المؤسسات”، مضيفًا أن الوزيرة “ربما لم تدرك أن في السياسة كما في الاقتصاد، التوقيت يساوي القيمة”.
من الناحية الدستورية، يظل المجلس الوزاري هو الجهة المخوّلة بتحديد الخطوط العريضة لقانون المالية، طبقاً للفصلين 49 و75 من الدستور المغربي.
لكن الوزيرة، كما يرى منتقدوها، “قفزت” على هذا الترتيب لتقدّم نسختها الإعلامية من المشروع، في خطوةٍ اعتُبرت “تسيّباً تواصلياً” أكثر منها مبادرة تقنية.
فالميزانية ليست ملفاً إعلامياً، بل وثيقة سيادية تُحدّد اختيارات الدولة الاجتماعية والاقتصادية، وأيّ خللٍ في مسارها الرسمي يفتح الباب أمام تأويلاتٍ تمسّ جوهر العلاقة بين الحكومة والمؤسسة الملكية.
ويرى مراقبون أن الخطورة في هذه الواقعة لا تكمن فقط في مضمون التصريحات، بل في رمزيتها وتوقيتها.
فالمغرب يعيش منذ أسابيع موجة احتجاجاتٍ اجتماعية وضغوطاً معيشيةً متزايدة، ما يجعل أيّ خطابٍ ماليٍّ غير محسوبٍ بمثابة اختبارٍ لمدى حساسية الحكومة تجاه الظرف الوطني.
وفي هذا السياق، بدا ظهور الوزيرة من على منبرٍ خارجيٍّ وهي تتحدث عن أولويات الإنفاق العام قبل المصادقة الرسمية، كأنه إعلانٌ سابق لأوانه في ملفٍّ يستوجب أعلى درجات التحفّظ والتناسق الحكومي.
وأكدت التحليلات التي تلت الواقعة أن الوزيرة كانت تسعى إلى طمأنة الأسواق والمستثمرين الأجانب حول صلابة الاقتصاد الوطني، لكنها، دون قصد، قدمت نموذجاً مقلقاً عن ضعف الانضباط المؤسساتي داخل الجهاز التنفيذي.
فأن تُقدَّم أولويات الدولة الاقتصادية عبر الأقمار الصناعية، قبل مصادقة المجلس الوزاري، يشبه إعلان نتائج مباراةٍ قبل صافرة البداية.
في المحصلة، ليست الإشكالية في الحوار ولا في المنبر، بل في التوقيت والدلالة. ففي دولةٍ تقوم مؤسساتها على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، تُقاس الحكمة السياسية بقدرة المسؤول على التمييز بين الخطاب العمومي والقرار الرسمي.
وحين تسبق الكاميرا الدستور، يصبح السؤال مشروعاً:
هل خرجت الوزيرة لتُقدّم ميزانية الدولة… أم لتختبر صبر الدستور أمام البثّ المباشر؟
