لم تكن دورة أكتوبر لمجلس جماعة تمارة مجرّد محطةٍ محليةٍ روتينية، بل لحظةَ انفجارٍ سياسيٍّ علنيٍّ أعادت إلى الواجهة سؤال الشفافية في تدبير الشأن العام المحلي.
فخلال الجلسة المنعقدة يوم الخميس 17 أكتوبر، دوّى صوتُ المستشار الجماعي المعارض خالد رجويع، عن حزب الشورى والاستقلال، وهو يصرخ في وجه رئيس الجماعة زهير الزمزامي:
“وا 104 مليار فين مشات؟ ربيتي الحناك فهاد الجماعة من المال العام!”
صرخةٌ التقطتها عدسات الهواتف وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بسرعةٍ قياسية، لتتحوّل إلى قضية رأيٍ عامٍّ تُسائل تدبير أموال الجماعة ومآلاتها خلال السنوات الأربع الماضية.
رئيس الجماعة زهير الزمزامي لم يتأخر في الرد، مؤكداً في تصريحٍ لموقع آشكاين أنه سيلجأ إلى القضاء لمواجهة ما وصفه بـ “الاتهامات المجانية والمغرضة”، مضيفاً أن “المبلغ الذي أشار إليه المستشار يخص ميزانية التسيير لأربع سنوات، وكلّ درهمٍ منه موثّق في القوائم المحاسباتية الرسمية”.
لكن الزمزامي، الذي بدا مستفَزًّا من الاتهامات، أطلق تصريحًا صادمًا حين قال:
“اللي كيهدّر من صحاب البرارك، ماعندو فين يشد تيشد فالرئيس”.
عبارةٌ زادت من حدة التوتر داخل القاعة، وحوّلت دورة المجلس إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لتبادل الاتهامات والصراخ بين مكونات الأغلبية والمعارضة، في مشهدٍ جسّد هشاشة النقاش السياسي المحلي، وعمّق إحساس المواطنين بأن لغة المال صارت أقوى من لغة المؤسسات.
الجدل المتصاعد دفع أصواتًا مدنية وحقوقية إلى المطالبة بتدخل وزارة الداخلية بشكلٍ عاجل، وفتح تحقيقٍ إداري وقانوني حول ما ورد من تصريحاتٍ تمسّ المال العام، تطبيقًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور المغربي، الذي يؤكد أن “النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وفي السياق ذاته، دعا عبد المغيث لمعمري، الكاتب العام للمرصد الوطني لمحاربة الرشوة وحماية المال العام، إلى “بحثٍ نزيهٍ وشفاف في كل ما أُثير من شبهات تتعلق بسوء التسيير أو تضارب المصالح”، مشدّدًا على أن “تبادل الصراخ لا يمكن أن يكون بديلاً عن المساءلة المؤسساتية، وأن الشفافية مسؤولية جماعية تبدأ من نشر المعطيات المالية للعموم”.
ما حدث في تمارة ليس حادثًا عابرًا، بل حلقة ضمن سلسلة من التوترات التي تعرفها المجالس المنتخبة عبر مدنٍ مغربية عدّة، حيث تتقاطع المصالح الشخصية مع الحسابات السياسية، وتغيب الحكامة عن النقاش العمومي.
لكن خطورة المشهد هذه المرة تكمن في حجم الرقم المتداول وطبيعة الاتهام الذي يطال المال العام، بما يستوجب تدخلاً مؤسساتيًا صارمًا لتكريس ثقافة الشفافية والمساءلة، حمايةً لثقة المواطنين في مؤسساتهم المنتخبة.
يؤكد الفصل 27 من الدستور المغربي على حقّ المواطنين في الحصول على المعلومات، غير أن الواقع يكشف أن المواطن ما زال يلجأ إلى الفيديوهات والمنابر الرقمية ليطالب بالوضوح.
وحين يتحوّل المجلس الجماعي إلى منبرٍ للاتهامات بدل أن يكون فضاءً للحكامة الرشيدة، يصبح السؤال أكبر من “فين مشات 104 مليار؟”…
بل: إلى أين تمضي ثقة الناس في السياسة نفسها؟
