Azami Dissects the Government’s Deal Authorization: When the Law Becomes a Witness to Chaos
ليست القضية نزاعاً لغوياً حول تأويل مرسوم، بل اختباراً بسيطاً لهيبة الدولة:
هل تُدار المليارات بمنطق الاستثناء أم تُصان بمنطق القانون؟
هكذا يضع إدريس الأزمي الإدريسي الحكومة أمام مرآتها، بقلمٍ باردٍ ودقّة فقيه إداري، ليقول إنّ “الاستعجال” ليس بطاقة عبورٍ مجانيّة إلى صفقاتٍ بلا إعلان ولا منافسة.
كشفت مصادر إعلامية عن مراسلةٍ صادرة عن رئيس الحكومة تُجيز لوزارة الصحة إبرام عشرات الصفقات عبر المسطرة التفاوضية.
الأزمي لم يكتفِ بالاستنكار الأخلاقي، بل دخل إلى صلب النص القانوني: المرسوم 2.22.431، من المادة 87 إلى 90، يُقيّد التفاوض بعللٍ حصريّة، ويجعل ترخيص رئيس الحكومة مطلوباً فقط في حالاتٍ تمسّ الدفاع أو الأمن العام.
ما عدا ذلك، فصاحب المشروع هنا وزير الصحة ملزَم بشهادة تعليلٍ لكل صفقةٍ على حدة، تُبيّن الاستثناء ومبرراته.
أيّ شيءٍ خارج هذا الإطار هو توسّع في الاستثناء وتضييق على القانون.
ويُضيف الأزمي ضربةً ثانية في صميم الحُجّة:
“حالة الاستعجال القصوى” ليست وصفة مطاطية.
القانون ربطها بوقائع غير متوقعة وغير ناتجة عن عمل الإدارة نفسها، وبأحداثٍ كارثية تستحيل معها آجال الإشهار والمنافسة.
فهل تدهور البنايات والتجهيزات الصحية، وهي واقعٌ معلوم ومُموَّل في قوانين مالية متتالية، يُصنَّف فجأةً كزلزالٍ تشريعيٍّ يبرّر القفز على الشفافية؟
إن كان ثمة استعجالٌ اليوم، فهو استعجالٌ لتدارك العجز التدبيري لا لتعليق إشارات المرور القانونية.
ثمّ يأتي الخلل الثالث: الإحالة على المادة 154 المتعلقة بالإشراف المنتدب.
حتى هذا الباب، يقول الأزمي، فُتح بمفتاحٍ غير مطابق، فالمادة تقتضي قراراً رسمياً مؤشَّراً عليه لا مراسلةً عابرة، وتدور حصراً حول صفقات الأشغال والدراسات المرتبطة بها، بينما الترخيص المطروح يتجاوزها إلى التجهيزات والمنشآت التقنية.
هنا تتكاثف الإشارات: ترخيصٌ بالجملة بدل التعليل حالةً بحالة، توسيعٌ لنطاق الإشراف، وتهوينٌ لشروط الشكل والمضمون معاً.
لكن قيمة مقال الأزمي لا تقف عند جديّة الاستدلال؛ بل في صرامة الإطار السياسي الذي يُحاصر به الواقعة.
فالاستثناء، حين يتحوّل إلى قاعدة، يُنتج نظاماً موازياً للمنافسة العمومية؛ يضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ويُشجّع شبكات القُرب، ويزرع الشك في سلامة الإنفاق العام.
ليس صدفةً أن يخاطب الأزمي الرأي العام بلغة “النظام المالي والاقتصادي” و“الحكامة الجيدة”: إنّه يلتقط مزاجاً مجتمعياً ضاق ذرعاً بـالصفقات المعلّبة وتبرير النجاعة بذريعة السرعة.
في الجوهر، نحن أمام سؤال دولة لا سؤال صفقة:
هل نُدبّر العطب بالحدّ الأدنى من الشفافية المتاحة، أم نُشرعن لثقافة “اشتغلْ أولاً ودع القانون يلحق بك لاحقاً”؟
الأزمي يجيب بأن القانون لا يلحق أحداً؛ القانون يجب أن يسبق الجميع.
وإن كان ثمة من استعجال، فهو استعجالٌ لاستعادة المساطر العادية فوراً، لا لتسويق فوضى منظَّمة تحت يافطة الإصلاح.
الرسالة الأخيرة واضحة ومُحرِجة:
حتى لو مرّت المراسلة، فلن تمرّ المراقبة.
فالأجهزة المكلفة بالتأشير والالتزام بالنفقات لن تغضّ الطرف عن تعليلٍ منقوص أو اختصاصٍ متجاوز أو صيغةٍ شكلية غير مستوفاة.
وهنا تتجلى مفارقة اللحظة: حكومة تُراهن على الزمن القصير للإنجاز، ومعارضة تُذكّر بزمنٍ أطول للحُكم بالقواعد.
خلاصة القول: مقال الأزمي ليس “بيانَ معارضة” بقدر ما هو محضرُ معاينة قانونية وسياسية.
سجّل الوقائع، قاسها على النصوص، وأعاد ترتيب المشهد: منطق الاستثناء لا يبني الثقة، والشفافية ليست ديكوراً مكمّلاً للإصلاح بل شرطه الأول.
ومن أراد حقاً إنقاذ المستشفيات، فليبدأ بإنعاش مناعة القانون قبل إنعاش الحجر والحديد.
