بقلم: إدريس الكنبوري

تابعت المقابلة التي أجرتها قناة أثير مع الضابط المغربي محمد فتحي الذي شارك في حرب أكتوبر 1973 في سوريا ضد إصرائيل، وهي مقابلة شيقة مدتها أكثر من خمس ساعات لا تشعرك بمرور الزمن أو بالملل، وتشهد على بطولة الجيش المغربي في الدفاع عن القضايا العربية وعن قضية فلسطين.
ولكن في نهاية المقابلة روى الضابط المغربي حكاية غريبة تصور فساد الحياة السياسية في المغرب وتكشف بأن داء العطب قديم فعلا. الحكاية تصور لنا بوضوح ما يجري في المحيط الملكي.
يقول الضابط إن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله استقبلهم بعد عودته، وكانوا حوالي المائة، وعزمهم على حفل غذاء في القصر، ثم خصهم بهدايا. ويقول الضابط فتحي إنهم بعد أن توصلوا بالهدايا كانت عبارة عن علب ـ كرتون ـ بداخلها قالب سكر وجلباب مغربي وعلبة سجائر من نوع كازا سبور.
ويقول الضابط بأن الهدية تم تغييرها من طرف المسؤولين الذين كلفهم الملك بحمل الهدايا، لأن الملك لا يمكنه أن يهدي إلى الضباط هدايا سخيفة مثل تلك، وبأن الهدية كانت مبالغ من المال لمساعدة الضباط، لكن المسؤولين استولوا على المال وسلموهم علبة سجائر رخيصة.
وذكرتني تلك الحكاية بحكاية أخرى غريبة رواها المؤرخ الكبير الدكتور حسين مؤنس، عالم الأندلسيات، رواها في مذكراته ونشرها قبل وفاته في مجلة”الهلال” القاهرية. ذات مرة فكر الحسن الثاني في إعادة ترتيب مكتبة القصر الملكي، فوقع اختياره على حسين مؤنس الذي كان يٌُدرس في الرباط.

قضة مؤنس في المهمة بضعة أشهر يرتب المكتبة، وبعد الانتهاء منها استقبله الحسن الثاني في القصر وكلف أحد مستشاريه ـ لا أريد ذكر اسمه ـ بأن يمنحه المكافأة التي خصصها له الملك، ولكن المستشار بدأ في المماطلة مدة طويلة، كلما اتصل به حسين مؤنس يماطله، وعندما انتهى العقد الموقع معه كمدرس في المغرب وأراد العودة إلى مصر اتصل هاتفيا بالمستشار الملكي الذي قال له بأن المكافأة ستصله أينما كان، ثم يقول حسين مؤنس إن المستشار توفي ولم تصل المكافأة.
هكذا تخرج القرارات من القصر وقبل أن تصل إلى المواطنين يأكل منها كل مسؤول قطعة حتى لا يصل شيء إلى الناس، فالسياسيون والمسؤولون مثل حاجب السلطان في الماضي، وظيفته الرسمية حاجب السلطان، لكن مهمته غير الرسمية حاجب عن السلطان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version