Finance Bill 2026… When Public Debt Is Evenly Distributed Among Citizens

يكشف مشروع قانون المالية لسنة 2026 عن واقعٍ اقتصادي مغربي يتّسع فيه هامش الاقتراض أكثر مما يتّسع هامش الإصلاح.
فبين خطابٍ حكومي مطمئن وأرقامٍ مالية متصاعدة، يتوزّع الدين العام بالتساوي على المواطنين في بلدٍ ما زال يقترض لينفق، لا لينتج.

في المغرب، لم تعد الحسابات السياسية تُجيد فقط فنّ تدبير السلطة، بل صارت أيضًا تتفوّق على الحسابات المالية في دقّتها ومناوراتها.
اليوم، كلّ مواطن مغربي من الطفل حديث الولادة إلى الشيخ المتقاعد “يتقاسم” نصيبًا من الدين العمومي الخارجي يُقدَّر بنحو 12 ألفًا و485 درهمًا.
إنه رقم لا يُسحب من الجيب، بل يُخصم من المستقبل، ويُسجَّل بصمتٍ في دفاتر الخزينة قبل أن يُسجَّل اسم صاحبه في سجل الحالة المدنية.

وفقًا للتقرير السنوي حول المديونية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2026، بلغ الدين الخارجي العمومي للمغرب 468,2 مليار درهم عند متم سنة 2024، بزيادةٍ قدرها 29,2 مليار درهم مقارنة بعام 2023، أي بارتفاعٍ نسبته 6,7 %.
ورغم هذا التصاعد الملموس، تُصرّ الحكومة على طمأنة الرأي العام بأن نسبة الدين إلى الناتج الداخلي الإجمالي “عرفت انخفاضًا طفيفًا” لتستقر عند 29,3 %.
انخفاضٌ طفيف في الورق، لكن الجبل لا يزال في مكانه.

عند قسمة هذا الدين على عدد سكان المغرب، البالغ حوالي 37,5 مليون نسمة، تظهر الصورة بأوضح ما تكون:
كل مغربي، من دون استثناء، مدينٌ بما يقارب 12 ألفًا و485 درهمًا للدائنين الخارجيين.
حتى من لا يملك حسابًا بنكيًا، صار له حسابٌ مفتوح في دفتر المديونية الوطنية.

تشير معطيات التقرير إلى أن الخزينة العامة تتحمّل النصيب الأكبر من هذا العبء، بما يقارب 269,8 مليار درهم (أي 57,6 % من إجمالي الدين الخارجي العمومي)، بينما تتحمّل المؤسسات والمقاولات العمومية الباقي.
وتتصدّر خمس مؤسسات لائحة المقترضين: المكتب الشريف للفوسفاط، والمكتب الوطني للكهرباء والماء، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، وشركة الطرق السيارة بالمغرب، والوكالة المغربية للطاقة المستدامة، وهي وحدها تستحوذ على 78 % من الدين العمومي الخارجي.
بمعنى آخر، لم تعد الاستدانة شأنًا سياديًا محضًا، بل أصبحت ثقافة مالية مؤسساتية تمارسها كيانات عمومية تموَّل أساسًا من ضرائب المواطنين.

أما على مستوى الدائنين، فيتقدّم البنك الدولي للإنشاء والتعمير القائمة بأكثر من 105 مليارات درهم (42,7 %)، يليه البنك الإفريقي للتنمية بـ51,3 مليار درهم (20,8 %)، ثم البنك الأوروبي للاستثمار بـ29,4 مليار درهم (11,9 %).
كما بلغت ديون الصناديق العربية والإسلامية حوالي 27,5 مليار درهم، تتقدّمها مؤسسات كـالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (13,5 مليار درهم) والبنك الإسلامي للتنمية (7,6 مليارات درهم).

وفي المقابل، بلغ حجم الديون الثنائية 93,1 مليار درهم (حوالي 19,9 % من الإجمالي)، يتركّز معظمها مع دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 76,5 %، ثم اليابان (12,4 %) والدول العربية (7,5 %).
وتتصدر فرنسا قائمة المقرضين الثنائيين بـ36 مليار درهم، تليها ألمانيا بـ27,9 مليارًا، ثم اليابان بـ11,6 مليارًا، وإسبانيا بـ4,2 مليار درهم.

أما من حيث العملات، فيهيمن اليورو على 57,3 % من الدين الخارجي للخزينة، متبوعًا بـالدولار الأمريكي والعملات المرتبطة به بنسبة 33,8 %، ثم الدينار الكويتي بـ3,3 %.
وإن كانت هذه التركيبة تبدو منسجمة مع سلة الدرهم المغربي، فإنها تجعل البلاد عرضة لأي اضطرابٍ مالي عالمي أو لارتفاعٍ مفاجئ في أسعار الفائدة الدولية.

ورغم الخطاب الرسمي الذي يصف الوضع بأنه “متحكَّم فيه”، فإن الواقع المالي يرسم مشهدًا أكثر هشاشة:
فالمغرب يواصل الاقتراض بالوتيرة نفسها تقريبًا، وإنْ بتنوّعٍ أكبر في المقرضين والأدوات المالية.
لقد نجح في تنويع مقرضيه، لكنه لم ينجح بعد في تنويع موارده.

المديونية في المغرب لم تعد مجرّد رقمٍ في قانون المالية، بل تحوّلت إلى فلسفة حكمٍ تموّل المشاريع بالقروض وتؤجّل الفواتير للأجيال القادمة.
إن الفارق بين الدول التي تُقرض، وتلك التي تقترض، لا يُقاس بعدد الشركاء… بل في من يملك قرار السداد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version