From Party Funding to Individual Grants of 375,000 Dirhams… The State Experiments with the Liberal Version of Democracy
Will the Hashtag Become the Official Candidacy Card in the Next Elections

الديمقراطية في المغرب لم تعد تُقاس بعمق المشاركة، بل بحجم التمويل الموجَّه إليها. بعد أن كانت السياسة تُبنى على القناعة، أصبحت تُدار بمنطق الميزانيات، وكأن طريق الانخراط في الشأن العام يمرّ أولًا عبر الحساب البنكي قبل أن يمرّ عبر الفكرة والمبدأ.

أحدث تجسيدٍ لهذا التحوّل إعلان الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، عن تخصيص دعمٍ مالي للشباب الراغبين في الترشّح للانتخابات دون انتماءٍ حزبي، يعادل 75 في المائة من الدعم الممنوح للأحزاب السياسية، أي ما يقارب 375 ألف درهم لكل مرشّح مستقلّ.
رقمٌ سخيٌّ بما يكفي لتغيير موازين الانتخابات، لكنه يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلاتٍ عميقة حول الجدوى والشفافية ومآلات المال العام.

قد تبدو الفكرة، في ظاهرها، بادرةً لتشجيع الشباب على دخول معترك السياسة بعد تراجع ثقتهم في الأحزاب، لكنها في جوهرها تُحوّل الديمقراطية إلى سوقٍ تُموَّل فيها النوايا قبل البرامج.
فبلدٌ تُثقله المديونية وتحدّه الموارد لا يمكنه أن يوزّع ملايين الدراهم على مرشحين محتملين بلا تجربة سياسية ولا رقابة محاسباتية دقيقة.

يقول بايتاس إن “الإجراءات والشروط ستكون مبسّطة”، وكأن “المبسّط” أصبح مرادفًا لـ“المفتوح على مصراعيه”.
لكن من يُدرك لغة الإدارة يعرف أن “التبسيط” في الملفات المالية والسياسية لا يعني سوى غياب الضوابط الدقيقة التي تحفظ المال العام من الاستعمال الانتخابي أو الشخصي.
فمن سيضمن أن الدعم لن يتحوّل إلى تمويلٍ رمزيٍ لحملاتٍ وهمية؟ ومن سيراقب آلاف الشباب الذين قد يقرّرون فجأة أن الترشّح وسيلةٌ مؤقتةٌ للحصول على سبعةٍ وثلاثين مليون سنتيم من خزينة الدولة؟

العبارة التي نطق بها بايتاس “الشروط المبسطة” تختصر جوهر المأزق. فهي تُترجم عمليًا إلى تسجيلٍ إداري بسيط، ونسخةٍ من بطاقة الهوية، وفتح حسابٍ بنكي للحملة الانتخابية، وتصريحٍ بالنوايا لا يخضع لأي تقييمٍ موضوعي.
أي أن كل شاب، من أي مدينة، يمكن أن يعلن نفسه مرشّحًا مستقلاً، ويستفيد من دعمٍ ماليٍّ عموميٍّ بلا رقيبٍ فعلي.
وهنا تُفتح بوابة جديدة من الزبونية السياسية، قد تُغري بعض الأطراف باستعمال الشباب واجهاتٍ انتخابيةٍ لاستقطاب الدعم المالي وتدويره خارج المسار الديمقراطي.

الذي يبدو اليوم هو أن الحكومة لا تبحث عن وعيٍ شبابيٍّ حقيقي بقدر ما تبحث عن نفخٍ في الأرقام.
الغاية أن تخرج بعد الانتخابات لتقول:

“شهدنا مشاركة شبابية غير مسبوقة، والديمقراطية المغربية بخير.”

لكن الحقيقة أن هذه الأرقام لا تُعبّر عن حياةٍ سياسيةٍ متجددة، بل عن تجميلٍ ظرفيٍّ لصورةٍ انتخابيةٍ باهتة. الفكرة تُقدَّم تحت شعار “تشجيع الديمقراطية”، لكنها في الجوهر إفلاسٌ سياسيٌّ مقنّع بفلوس الدعم.

وفي خضم هذا “الانفتاح الانتخابي”، يبدو المشهد وكأنه مهرجان مفتوح: أدن مرحبًا بالجميع، المؤثرين في عالم السياسة، القادمين من الفضاء الأزرق أو من قاعات الندوات، من يعرف فنّ الخطابة أو فنّ التسويق، من يجيد الظهور أكثر مما يجيد التفكير.
أدن مرحبًا بالجميع المؤثرين في عالم السياسة الجدد، أولئك الذين يُقاس نفوذهم بعدد المتابعين لا بعدد المواقف، وبقوة الهاشتاغ لا بقوة الفكرة.
الجميع مرحّبٌ بهم في النسخة المُمَوَّلة من الديمقراطية، طالما أن الشيك جاهز والنية “مبسّطة”.
إنها مرحلة جديدة في التجربة السياسية المغربية، حيث قد يصبح الهاشتاغ بطاقة الترشّح الرسمية للانتخابات المقبلة.

حين تُقرّر الدولة أن تموّل الأفراد بدل الأحزاب، فهي لا تدعم التعددية، بل تشتري شرعية المشاركة بالأرقام.
فبدل أن تُصلح المنظومة الحزبية وتعيد ربطها بالمجتمع، تختار الطريق الأسهل: ضخّ المال لتلميع الصورة الديمقراطية.
لكن الشرعية لا تُبنى بالشيكات، بل بالمصداقية والمحاسبة.
والديمقراطية التي تحتاج إلى تمويلٍ كي تتحرّك، هي ديمقراطيةٌ تترنّح أكثر مما تتقدّم.

375 ألف درهم ليست رقمًا صغيرًا فلو قرّر فقط ألف شابٍ خوض التجربة، ستكون الكلفة أكثر من 375 مليون درهم.
ولو انخرط أكثر، فقد تصل إلى مليار درهم من المال العام تُصرف في موسمٍ انتخابيٍ قصيرٍ بلا ضماناتٍ لاسترجاعها أو تقييم نتائجها.
في المقابل، تُعاني مؤسسات الشباب والثقافة والتكوين من ضعفٍ في التمويل، وكأن الأولوية أصبحت للواجهة لا للبنية، وللصورة لا للمعنى.

تشجيع الشباب لا يكون بالدعم المباشر، بل بخلق مسارٍ تدريجيٍّ للمواكبة السياسية: برامج تكوين، مدارس حزبية، تمويلٌ للبحث السياسي، وتسهيلٌ لوصول الطاقات الشابة إلى مواقع القرار داخل التنظيمات.
حينها يصبح الدعم المالي أداةً لتقوية المؤسسات، لا وسيلةً لشراء الولاء المؤقت.

قد تنجح الحكومة في رفع نسبة المرشحين الشباب، وقد تملأ التقارير الرسمية بأرقامٍ براقة حول “الانفتاح” و”المشاركة”، لكن الجوهر سيبقى واحدًا: ديمقراطية بلا وعي، بلا مسؤولية، وبلا رؤية استراتيجية.
إنها ديمقراطية تُدار بالدرهم لا بالمبدأ.
وما لم تُصَحَّح البوصلة، فستتحوّل الانتخابات المقبلة إلى كرنفالٍ سياسيٍّ ممّولٍ من المال العام، بلا ضماناتٍ ولا أثرٍ في بناء المستقبل.

وحين يُقاس الوعي السياسي بقيمة الدعم، تفقد الديمقراطية روحها وتتحوّل المشاركة إلى معاملةٍ بنكية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version