Playing the Fools… A Bureaucratic Electoral Reform and Young Faces in an Old Game

المغرب بلدٌ حتى الأمل فيه له دفترُ تحملات.
كل فكرة جديدة تمر عبر المساطر، وكل حلم شبابي يحتاج توقيعاتٍ وتصاريح ليصبح قانونيًا.
مشروع القانون التنظيمي الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، الذي صادق عليه المجلس الوزاري مؤخرًا، يجسّد هذه القاعدة: لا شيء يُفتح فعلاً أمام الشباب، بل يُنظَّم بدقّةٍ قبل أن يُمنح.

القانون يقدّم نفسه كهبةٍ للأجيال الجديدة وخطوةٍ في اتجاه تجديد الدماء السياسية، إذ ينصّ على تمكين اللوائح الشبابية المستقلة من دعمٍ ماليٍّ عمومي يصل إلى 75 في المائة من المصاريف الانتخابية.
غير أن ما يبدو تشجيعًا على المشاركة، يخفي في العمق ترخيصًا محدود الصلاحية لدخول السياسة، مشروطًا بالخضوع لقواعد اللعبة القديمة ذاتها.

النص الجديد يمنح لوائح المترشحين الذين لا يتجاوز عمرهم 35 سنة حقّ الحصول على دعمٍ ماليٍّ، شريطة احترام المناصفة بين الجنسين وإيداع الملفات إلكترونيًا مرفقة بوصل الأداء والبطاقة الوطنية وشهادة التسجيل الانتخابي والتزكية الحزبية إن وُجدت.
أما المستقلون، فتُفرض عليهم شروط إضافية: توقيعات عددٍ من الناخبين لا تقل فيها نسبة النساء عن 33 في المائة محليًا و50 في المائة جهويًا، مع تمثيليةٍ جغرافيةٍ دقيقة وإلزامية إيداع الملف في صيغةٍ رسمية واحدة.

هذه التعقيدات تصلح لمباراةٍ في الوظيفة العمومية أكثر مما تصلح لمسارٍ ديمقراطي.
المشاركة هنا ليست فعل قناعة، بل استيفاءٌ إداريٌّ للمساطر.
الحلم لا يحتاج توقيع قائد المقاطعة، لكنه في المغرب لا يبدأ إلا بورقةٍ مختومة ومبلغٍ مصروفٍ على وجه القانون.

الدولة لا تمانع أن يدخل الشباب الانتخابات، لكنها تفضّل أن يكون ذلك تحت رقابةٍ مالية وتنظيمية محكمة.
الدعم العمومي المخصص للمرشحين الشباب يُقتطع من المساهمة العامة الموجهة للأحزاب المشاركة، ما يعني أن الاستقلالية تُموَّل من داخل النظام ذاته الذي يُفترض أن تُقدّم بديلاً عنه.
الصيغة الجديدة لا تُعيد تعريف التمثيلية بقدر ما تُعيد تزيينها بوجهٍ شبابيٍّ محسوبٍ مسبقًا.
الشاب الذي لم يجد مقعدًا في حزبٍ تقليدي سيجد نفسه أمام فرصةٍ شكليةٍ بدعمٍ محدود، لكنها مشروطة بلائحة توقيعاتٍ وبنودٍ ومساطر تحوّل التجربة الديمقراطية إلى تمرينٍ إداريٍّ مملّ.

علاقة الدولة بالشباب لم تعد تقوم على الإقصاء المباشر، بل على التقنين الهادئ.
بدل أن تُغلق الأبواب، تُفتح بشروطٍ دقيقة تُفقدها معناها.
الاحتواء بالقانون أصبح بديلاً عن الحوار بالثقة.
منطق “المشاركة المراقبة” حلّ محلّ “المشاركة الحرة”.
الجرأة الشكلية في القانون لا تخفي محدودية المضمون.
فاللوائح المستقلة، رغم الاعتراف بها قانونيًا، لن تملك الأدوات الإعلامية أو اللوجستية الكفيلة بمنافسة الأحزاب المهيكلة التي ما زالت تحتكر المال والمنابر والمجال العام.
النتيجة: ملامح تجديدٍ بلا تغيير، ووجوهٌ شابة في لعبةٍ قديمة.

الدعم المالي لا يصنع سياسة.
الشباب لا يحتاجون إلى 75 في المائة من مصاريف الحملة، بل إلى 100 في المائة من الثقة في أن صوتهم يُحدث فرقًا.
حين تُختزل الديمقراطية في نسبٍ وتمويلاتٍ وإجراءات، تفقد روحها الأصلية: الإيمان بالمشاركة كفعلٍ للكرامة لا كصفقةٍ انتخابية.
التجربة المغربية مع الإصلاحات الانتخابية المتكرّرة تؤكد أن الشكل يتغيّر أكثر مما يتغيّر الجوهر.
الكوطا النسائية، اللائحة الجهوية، المناصفة، والآن اللوائح الشبابية المستقلة…
كلها تعديلات تجميلية لنظامٍ انتخابيٍّ واحد، لم يُصنع بعدُ ليحتمل التغيير الحقيقي.
فالإصلاح في المغرب يُدار كما تُدار المهرجانات: ميزانية، كراسة شروط، وتقرير ختامي.

الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع خلال السنوات الأخيرة لا ينتظرون دعمًا انتخابيًا، بل اعترافًا سياسيًا بوجودهم خارج وصاية الأحزاب.
جيل “زد” الذي شكّل صداعًا للمنظومة السياسية بوسائل سلمية وشعاراتٍ رقمية، لا يبحث عن مقعدٍ في البرلمان بقدر ما يبحث عن مكانٍ في القرار.
القانون الجديد يبدو كمن يوزّع “منح تهدئة” أكثر مما يفتح طريقًا للتغيير.
المال لا يُعيد الثقة المفقودة، والمنصات الإلكترونية لا تعوّض المنابر الحرة.
جيلٌ كامل وُلد بعد الدستور الجديد ما زال يُسأل عن شهادة الميلاد قبل أن يُمنح شهادة المواطنة السياسية.

الجيل يتغيّر، لكن بنية اللعبة الانتخابية تبقى كما هي: المال يحسم، والنفوذ يوجّه، والإدارة تراقب، والحلم يُقنَّن.
القانون الجديد يمنح الشباب حقّ المحاولة، لكنه لا يضمن لهم حقّ الاختلاف.
الشكل يوحي بالانفتاح، والمضمون يكرّس الانغلاق.
الوجوه الجديدة ستدخل من النافذة، لكن القرار سيبقى في يد من يملك المفتاح القديم.

القانون التنظيمي الجديد يمنح الشباب ورقة دخول رمزية إلى الحياة السياسية، لكنه لا يقدّم بعدُ المفتاح الحقيقي للمشاركة.
الجيل الجديد لا يحتاج منحة انتخابية، بل حقًّا في أن يكون من الجيل الذي يصنع السياسة لا الذي يُستعمل لتجميلها.
الديمقراطية لا تُقاس بعدد الشباب في اللوائح، بل بمدى قدرتهم على قول “لا” دون خوف، وعلى الحلم دون ترخيص.
ما لم يتحوّل الدعم المالي إلى دعمٍ للثقة، ستبقى السياسة المغربية تمارس تجديدها بالميزانية، وتستهلك شبابها بالنوايا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version