Fatima Tamni: The Opposition Voice That Refused to Beg for Speech

البرلمان المغربي لم يعد ساحةً لتصريف النقاشات، بل ساحةً لمعركةٍ حول الحق في الكلام.
ما وقع مع النائبة فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، داخل لجنة المالية، لم يكن حادثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل تجسيدًا صريحًا لتحوّلٍ مقلقٍ في المشهد السياسي، حيث يتحوّل الميكروفون إلى أداة هيمنة بدل أن يكون وسيلة نقاش.

تؤكد التامني في بلاغٍ أصدرته، من أن رئاسة اللجنة المالية منعتها من أخذ الكلمة أثناء مناقشة ميزانية 2026، تحت ضغط الحزب الذي تنتمي إليه رئيسة اللجنة، في تجاوزٍ واضحٍ لرغبة باقي الفرق النيابية.
واقعةٌ تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها في عمقها تكشف رغبةً منهجية في تحييد المعارضة من داخل المؤسسات، وتحويل البرلمان إلى فضاءٍ مغلقٍ على رأيٍ واحدٍ يصفّق ويُبرّر ويُدافع، لا يراقب ولا يسائل.

بلاغ التامني لم يكن انفعالًا، بل شهادة سياسية مكتوبة بلغة الوعي والمسؤولية.
لم تتحدث بلسان المظلومة، بل بلسان المناضلة، حين قالت: “نحن لا نتسول حقنا في الكلام.”
عبارة تختصر موقفًا مبدئيًا من الديمقراطية باعتبارها حقًّا لا منّة، ومساحةً للنقاش لا للولاء.
إنها ليست معركة حول من يتكلم أولًا، بل حول ما إذا كان الكلام ما يزال ممكنًا في فضاءٍ صار يضيق بالكلمة أكثر مما يضيق بالخصم.

في مناخٍ سياسيٍّ يتّسع فيه الصمت وتضيق فيه الكلمة، يصبح الدفاع عن الحق في التعبير فعلًا من أفعال المقاومة المدنية.
حين يُمنع نائبٌ من الكلام داخل لجنة برلمانية، يُصاب جوهر العمل التشريعي في مقتل. فالمساواة بين النواب ليست تفصيلًا إجرائيًا، بل مبدأً دستوريًا يضمن التوازن داخل السلطة ويصون كرامة المؤسسة.
إقصاء صوت المعارضة لا يُضعفها، بل يُضعف الدولة نفسها، ويحوّل البرلمان إلى مرآةٍ للأغلبية بدل أن يكون ميزانًا لها.

بلاغ فيدرالية اليسار الديمقراطي جاء بصيغةٍ ناعمةٍ في الشكل، حادةٍ في المضمون، كمن يكتب بالحرير على جدارٍ من إسمنت. لغةٌ هادئة تقول كل شيء دون ضجيج، وتضع الإصبع على جرحٍ يتسع داخل المشهد السياسي المغربي: تراجع النقاش العمومي، وتحويل الخلاف إلى تهمة، والاختلاف إلى خطرٍ يجب احتواؤه.

موقف التامني لا يندرج في منطق الشكوى بل في منطق الاستمرار.
فالتضييق بالنسبة لها ليس نهاية النضال، بل دليلاً على ضرورته. تقول: “صامدون ولن نستسلم، فهذه الممارسات تزيدنا إصرارًا على مواصلة النضال دفاعًا عن مصالح المواطنات والمواطنين.”
عبارة تعيد تعريف النضال البرلماني كأخلاقٍ قبل أن يكون موقعًا، وكقناعةٍ قبل أن يكون مداخلةً في لجنة.

ما وقع داخل لجنة المالية ليس مجرد حادثٍ تنظيمي، بل علامةٌ على زمنٍ يتراجع فيه صوت النقد وتُختزل فيه الديمقراطية إلى مشهدٍ مؤطّرٍ سلفًا.
حين يُمنع الكلام، لا يكون الصمت حيادًا، بل شكلاً من أشكال المقاومة.

وحين يُسكت اليسار في البرلمان، يتكلم الواقع باسمه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version