Benkirane Holds a Mirror to the State: When Doubt Becomes a National Conscience

عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية الأسبق، يعود إلى المنبر لا بصفته معارضًا سياسيًا، بل بصفته ضميرًا يُحذّر الدولة من فقدان معناها.

في زمنٍ تُقاس فيه الشرعية بمدى القدرة على إسكات الأسئلة، قرّر أن يتكلّم، لا ليعارض، بل ليذكّر بأن الصمت لم يكن يومًا طريقًا إلى الاستقرار.

في كلمته الأخيرة حول مشروع القانون الانتخابي الجديد، لم يختر بنكيران لغة الخطابة الحزبية، بل لغة رجلٍ يعرف دهاليز السلطة وخلفيات القرار.

انتقد فكرة تجريم “التشكيك في نتائج الانتخابات” بعقوبة قد تصل إلى خمس سنوات سجنًا، معتبرًا أن الدولة التي تُعاقب على الشكّ، إنما تعاقب على التفكير. “كيف يُعاقَب الشكّ وهو طبيعة بشرية؟” تساؤله لم يكن تحدّيًا، بل محاولة لاستعادة المنطق. فالديمقراطية، في نظره، لا تحتاج إلى حماية من الكلام، بل إلى ثقة في المؤسسات.

حين يخاف القانون من السؤال، يفقد العقل توازنه، وتتحوّل الدولة إلى جهازٍ يعاقب ذاته.

استعمل بنكيران مثالًا قرآنيًا بليغًا: إبراهيم عليه السلام الذي سأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى.

ليقول إن حتى الإيمان يمرّ عبر لحظة شكّ صادق. فكيف يُمنع المواطن من التساؤل حول انتخاباتٍ بشرية تُدار بالسلطة والمصالح؟ إن الحقّ في الشكّ هو ما يمنح السياسة معناها، وما يحمي الدولة من الغرور المؤسّسي. لذلك ختم فكرته بجملةٍ تختصر فلسفته كلها: “الدولة القوية لا تُخيفها الأسئلة، بل تُقنع بها.”

وفي النقطة الثانية من خطابه، تناول بنكيران مقترح “لوائح الشباب المستقلّين” التي يُفترض دعمها بمبالغ مالية ضخمة.

من الخارج تبدو خطوة لتجديد النخب، لكن من الداخل، كما قال، هي محاولة لتجميل الخلل بدل إصلاحه. وصفها بعبارةٍ لاذعة: “هذا ريع لتسكين الغضب، لا حلّ سياسي.” بالنسبة إليه، الشباب لا يُستدعون إلى البرلمان بالمال، بل بالقيم.

فحين تتحوّل المشاركة إلى تمويل، تفقد الديمقراطية جوهرها وتغدو شكلًا من أشكال التسويق الاجتماعي.

ما يميز بنكيران أنه لم يتحدث كخصمٍ أو كواعظ، بل كمسؤولٍ سابق ما زال يشعر بثقل الأمانة. قالها بوضوح نادر: “أنا كنستشعر المسؤولية ديالي كمواطن، وكإنسان، وكَرئيس حكومة سابق.”

لم يتبرأ من ماضيه، بل قدّمه كدليلٍ على أن التجربة من دون مراجعة تتحوّل إلى تكرار. تحدّث بعقلٍ بارد لا بروح الانتقام، وبنبرةٍ تحمل من الاتزان ما يكفي لتفرّق بين النصيحة والمواجهة.

خطابه لم يكن عن الأحزاب بقدر ما كان عن الدولة.

وجّه كلامه إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بعبارةٍ بسيطة وذكية: “راجعوا المنطق ديالكم، راه ما فهمناش.” لكنها جملة تختزن كل شيء: أن الدولة التي تُشرّع للخوف تفقد قدرتها على الإقناع.

ثم وجّه نظره إلى الحكومة الحالية قائلًا إن رئيسها “ما عرفش يحكم ولا يهضر”، في نقدٍ يتجاوز الأشخاص إلى أزمة المنهج.

وأخيرًا، رفع الرسالة إلى مستوى أوسع حين ذكّر بأن المغرب تجاوز مرحلة “التحكم الإداري في الانتخابات”، وأن العودة إلى تلك الأساليب لا تُهدد المعارضة، بل تُهدد الدولة نفسها.

عبد الإله بنكيران لم يعد زعيم حزبٍ يبحث عن مقاعد، بل رمزًا لما يمكن تسميته بـ“المعارضة الأخلاقية” التي تحرس الضمير العام من الانهيار.

كلماته لا تصدر عن رغبةٍ في العودة إلى الحكم، بل عن خوفٍ من أن تتحول السياسة إلى ديكور بلا معنى. قالها في نهاية خطابه بصدق رجلٍ تجاوز الحسابات: “ما بقاش عندي ما نحرص عليه… غير بلادنا اللي خصها ترجع للمعقول.”

خطاب بنكيران ليس حدثًا سياسيًا عابرًا، بل لحظة تأملٍ في مستقبل الديمقراطية المغربية وهي تتلمّس طريقها بين السلطة والثقة. فيه جرأة العارف، وهدوء من جرّب المسؤولية وخَبِر حدودها.
وفيه تحذيرٌ صريح من أن الدولة التي تجرّم الشكّ وتموّل الصمت تُقنّن الانسحاب الجماعي للمجتمع من السياسة.

“حين تُجرّم الشكّ وتُمَوِّل الصمت، لا تنتظر مشاركة… انتظر فراغًا أخلاقيًا.”

السياسة، ليست صراعًا على السلطة، بل امتحانٌ في الأخلاق والعقل.
ومن لا يحتمل السؤال، لا يستحق الثقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version