Wild Liberalism Writes the Budget… and the Poor Sign in Installments

قانون المالية لسنة 2026 في المغرب لم يعد مجرّد وثيقةٍ ماليةٍ لتحديد الضرائب والنفقات، بل تحوّل إلى مرآةٍ سياسيةٍ تعكس فلسفة الدولة في توزيع الأعباء قبل توزيع الثروات.
إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس المستشارين، قدّم مداخلةً مختلفةً في مضمونها ونبرتها؛ لم يتحدث بلغة المعارضة الكلاسيكية، بل بلغة المواطن الذي يرى أن ميزانية بلده صيغت بمعادلةٍ غير عادلة، حيث تُخفّف الأعباء عن القادرين وتُشدّد على الضعفاء.

قالها بوضوحٍ صادم:

“من السهل أن نقول جلبنا التمويل، لكن من أين جئنا به؟ من جيوب المواطنين.”

بهذه الجملة، نقل السنتيسي النقاش من لغة الأرقام إلى لغة العدالة، ومن الحسابات التقنية إلى الفلسفة السياسية.
فبينما تتباهى الحكومة بارتفاع التحصيل الضريبي، يرى أن الضريبة فقدت معناها التضامني، وتحولت إلى وسيلةٍ لإعادة توزيعٍ معكوسةٍ تُغني الأغنياء وتستنزف الفقراء.
لقد أصبح الأجر البسيط هو الضامن الوحيد لميزانيةٍ تبحث عن الفائض في الأرقام لا في الكرامة.

ومن قلب القاعة، طرح السنتيسي أسئلةً لم تعد تقنية بل وجودية:
أين العدالة الجبائية حين تُرفع الضرائب على الدخل بـ15% وتُزاد القيمة المضافة إلى 20%، بينما تبقى الثروات الكبرى في مأمنٍ من المراقبة؟
أين الدولة الاجتماعية حين تُخفَّض نسب الضريبة على الشركات الكبرى وتُضاعف على المهن الصغيرة؟
وأين الفلسفة حين تتحول الموازنة إلى دفتر حساباتٍ جامدٍ بلا بوصلةٍ إنسانية؟

ثم تطرّق إلى ما سمّاه “المسكوت عنه”: تضارب المصالح.
تحدث عن مسؤولين يملكون شركات، وعن العفو المالي الذي سمح بعودة الأموال المهربة، وعن مفارقة أن يتحوّل من خرق القانون إلى بطلٍ اقتصاديٍّ جديد.
وطالب بمنع من يملكون عقاراتٍ في الخارج من الترشح للانتخابات، مؤكدًا أن الفساد لا يبدأ في الصفقات، بل في القوانين التي تُفصّل على المقاس.

ولم يكن حديثه محصورًا في الأرقام، بل امتدّ إلى نبض الشارع.
قال إن الاحتجاجات التي شهدتها قطاعات الأطباء والمحامين والتعليم ليست ضجيجًا سياسيًا، بل مؤشر صدقٍ اجتماعيٍّ على عمق الأزمة.
فالمواطن، كما قال، لم يعد ينتظر البلاغات الحكومية، بل يراقب الأسعار في الأسواق ويقيس الإصلاح بثمن لتر الحليب، لا بسطرٍ في البيان المالي.

السنتيسي لم يهاجم، بل فكّك.
قدّم صورةً دقيقة عن مفارقة الاقتصاد المغربي: دولةٌ تتحدث عن الرقمنة والابتكار، لكنها ما تزال عاجزةً عن ربط مدرسةٍ بالماء والكهرباء أو توفير سريرٍ في مستشفى قروي.
مشاريع “الدولة الاجتماعية” تبدو براقةً في الوثائق الرسمية، لكنها على أرض الواقع تتحوّل إلى معادلةٍ باردةٍ بين ضريبةٍ جديدةٍ ومنحةٍ مؤجلة.

وفي ختام كلمته، اختصر كل شيء في جملتين واضحتين:

“ما نحتاجه ليس الزيادة في الضرائب، بل الزيادة في الثقة. ما نحتاجه ليس التباهي بالمداخيل، بل العدل في المصاريف.”

هكذا لخص السنتيسي رؤيته لقانون المالية: أرقام كثيرة، وعدالة قليلة، وثقة تذوب مع كل فصلٍ ضريبي جديد.
وفي زمنٍ تقيس فيه الحكومات نجاحها بنسبة العجز المالي لا بمستوى الرضا الاجتماعي، يذكّرنا هذا الخطاب بأن الاقتصاد، في جوهره، فنّ لتوزيع الأمل قبل توزيع الأموال.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version